ها هي ارتحلت بهدوء وسكينة... مُخلّفة وراء رحيلها إرثَ الحزن والأسى... موجِّهةً عدسة مجهر الذكرى (للفريج الشمالي).. تتحدث عنها من شماله إلى جنوبه، ومن غربه إلى شرقه... فأدركت حينها أنها تحوي السمات الطيبة والأصيلة... ولا غرابة في ذلك؛ فهي ابنة النخيل وثمرة الفلاح الهجري... كانت رحمها الله وللأمس القريب تشد خيوط التسبيح... ليستقر بها المقام؛ بأن تعقد بركات صلواتها على شفاه كل من عرفها ومن لم يعرفها... فالبيوت تعرفها، و(الساباط) يذكرها، و(البراحة) تشتاقها.... كانت تخيط خطواتها من ساباط القريني إلى ساباط السماعيل، ومن ساباط العليو إلى براحة زكي... فإن لم تصدق فاسأل عنها تلك الأماكن!! فأحجية المكان تنعاها، وعقارب ساعة الزمان ترثيها، وها هنا الإخلاص والصدق والتفاني... وما زلت وإلى الآن أقول: (أحقًا رحلت)؟! ولماذا لم يستبق مديحي رحيلها؟ ويا حزني بأن سبق رحيلها مديحي لها ولأولادها بمقالة (عيال الفريج)!!! فها هم أدركوا ذلك؛ فأشعلوا شموع والدتهم في حياتها في كل مكان وزمان... والفضل يعود لها بعد الله.. فما كان لله يزكو وينمو... نعم، الصبي منا يعشق هذه المشاهد... فكيف بالشيخ الكبير؟؟... إذ يمد بصيرته من أول الطريق... مكتفيًا ب (يا الله)، ولقلقلة لسانه التي توحي بالحسرة والألم... إنها الأخت والخالة والعمة... أكاد لا أبالغ إن قلت إن كل أبناء الفريج يعرفونها جيدًا... من شيخهم إلى رضيعهم؛ لأنها من النساء التي قل نظيرهن.... حتى وصلنا للمقبرة وهي مكتظة بالناس... رغم الامتحانات والقلق والتوتر والخوف... وشريط ذاكرتهم يمر أمام أعينهم... وكأن لسان حالهم يقول: «كانت تقاوم الحر ماشية على قدميها في سبيل أن تقدم يدي العون لنا، كانت تقاسم رغيف الخبز معنا«... أجل، رحلت حاملة بيديها غصن زيتون أخضر... مخلفة وراءه أجوبة كثيرة لتساؤلات عدة... من هي؟! وماذا تمتلك؟!... هي العطاء... هي الوفاء... هي الإيثار... فقد زرعتِ نفسك وردًا على أكف دعائنا... يا خالتي يا عمتي يا جدتي يا أمي... نعم، كنت هنا فرحلت!!! نسألكم الدعاء لها وللجميع...