تمسّك الدكتور جمعان عبدالكريم الغامدي، أستاذ اللغة العربية بجامعة الباحة، برأيه بأن حفظ القرآن الكريم لا يحفظ اللغة العربية، واعتبر أن منطقة الباحة من أكثر المناطق إنجابًا وتصديرًا للمثقفين المميزين، خاصةً الشعراء، والروائيين، والنّقاد، وكتّاب الصحافة، واصفًا الوضع داخل المنطقة بأنه يمثّل كساحًا ثقافيًا أسهمت في ترسيخه التشكيلة الأولى للنادي الأدبي والتي استمر عليها، وأكد أنه لن يدخل الانتخابات التي يقوم على تنظيمها أعضاء مجالس الإدارة المعينون. الدكتور الغامدي تحدث ل «الأربعاء» حول الكثير من المواضيع الثقافية، وكانت البداية عن انتخابات الأندية الأدبية.. * هل سنراكم في انتخابات الأندية الأدبية؟ - لقد صرحت سابقًا أنني لن أدخل الانتخابات التي يقوم على تنظيمها أعضاء مجالس الإدارة المعينون، فالغريب حقًا أن تقوم لجنة من أولئك المعينين برفع اقتراحات حول الانتخابات، وما سمعنا لهم كلمة واحدة تطالب بالانتخابات، أو حتى بالتزام مبدأ واضح في توزيع عضوية مجالس الإدارة، ويستطيع المتتبع لأرشيف الصحف السعودية أن يرى كيف بدأت.. وكيف تطورت المطالبة بانتخابات الأندية الأدبية، وما هي المقترحات التي اُقترحت لإقرار الانتخابات. والعجيب أن كل المثقفين الذين أسهموا في التغيير الإيجابي نحو الانتخابات، كخطوة نحو نشر ثقافة الانتخاب في المجتمع، العجيب حقًا أنه تم إبعادهم عن المجالس الحالية للأندية الأدبية وهُمّشوا في وضع لائحة الانتخابات لاحقًا. منقصة كبيرة * لجوءكم مع الرباعي والصقاعي لجمعية الثقافة والفنون، هل هو محاولة لرد الاعتبار بسسب تجاهل النادي لكم؟ - من ناحيتي أقول إذا تجاهل النادي المثقفين فهذه منقصة كبيرة، أما الجمعية فقد وجّهت لي دعوة لحضور المقهى الثقافي، فحضرت بصفتي رائدًا من رواد المقهى، وقد أعجبتني فكرة المقهى لأنها تُحدث تقاطعًا حميدًا بين الأنساق الثقافية المختلفة. * وما موقع الرباعي والصقاعي من قراراتكم الثقافية؟ - الثقافة ليس فيها قرارات وإنما هي اختيارات.. وما جمعني مع الأخوين الكريمين هو الهم الثقافي المشترك، على يدنا الثلاثة بدأ التغيير في الأندية الأدبية، ليس في الباحة فحسب، بل في جميع أندية المملكة، وأرشيف الصحف السعودية يشهد بذلك، ولكن للأسف كان جزاؤنا جزاء سنماريًا، ولكن نحن الثلاثة نختلف كثيرًا في التكوين المعرفي، وفي الرؤية، وفي الآراء، خذ مثلًا أمسية تأبين الأديب الثقافي لي فيها رأي خاص كما حدث في شعر الراحل الثبيتي ولأجل ذلك لم أشارك إلا مجاملة بوثيقة تأريخية ولم أقدم أي قراءة حول شعر الثبيتي ولم يكن حضوري إلا دعمًا للمقهى الثقافي المؤسس حديثًا في الجمعية. المقهى الثقافي * خاض المقهى الثقافي في جمعية الثقافة والفنون بالباحة تجربتين، استضاف في واحدة منها مقهى عكاظ الثقافي بالطائف، ووفد في الثانية على مقهى هافانا بمكة المكرمة، ما تقييمك للتجربتين باعتبارك داعمًا لها، وما تقييمك للمقاهي الثقافي؟ - تجربة المقاهي الثقافية تجربة مهمة قد تسهم في تقريب الشعبي من النخبوي والرسمي من غير الرسمي، كما أنها تعمل على تقاطع الأجناس والفنون والنصوص، ومقهى الباحة مازال في البداية، وإذا استفاد من تجربة مقهى الطائف فسيكون له دور مميز ومكمل للعمل الثقافي بشكل عام. * هل قيامك باهداء نادي الباحة الأدبي مجموعة من كتبك كان سببًا في إلغاء مشاركة لك على منبر النادي؟ - اسأل النادي فهم أدرى بالإجابة!. * بصراحة.. هل أردت تسويق نفسك نقديًا عبر رواية «رقص» للزهراني، خاصةً وأن موقفك من النادي الأدبي معروف؟ - موقفى المعروف هو موقف المقاطعة حتى تتم الانتخابات، أما ما حدث فكان باختصار أن الدكتور معجب الزهراني عرض عليّ أن ألقي ورقة حول روايته في نادي الباحة فترددت وشرحت له عن موقفي فأقنعني وقال أنا سأتولى المسألة فقلت له استثناء فقط سأستجيب لرغبة أعدها رغبة أستاذ من تلميذه ولكنهم لن يوافقوا في النادي، وكنت أطلعه خطوة بخطوة على ما يحدث لي وفي النهاية فوجئت بما حدث من إلغاء محاضرتي!. * في رأيك.. ما هي معوقات العمل الثقافي؟ - كثيرة.. لعل أهمها مقاربة إشكالية الثقافة والسلطة، والثقافة والدين، والثقافة والمجتمع، ولا بد أن ينهض تحليل الخطاب بفضح الآليات الحجاجية للضخ الإيديولوجي الذي يُستعمل من قبل أطراف متعددة ترغب في تخلّفنا وبقائنا متخلفين وتعمل بدأب لتفريغ الثقافة من مضمونها. قصائدي منشورة إلكترونيًا * غياب شاعريتكم عن الوسط الثقافي بشتى مجالاته، ما أسبابها؟ - لعلك تشير إلى مجموعاتي الشعرية غير المطبوعة، بصراحة لا أريد أن يعرفني الناس كشاعر، فالشعر هو نافذة صغيرة خاصة أنظر منها أحيانًا إلى حدائق الألم وحدائق البهجة من حولي، ويمكن أن يكون هاجس الرغبة في اكتمال جودة النص، وخوفي الشديد من الرداءة هو سبب ترددي في نشر شعري، ولكن لي بعض القصائد المنشورة إلكترونيًا. * حدثنا عن رؤيتك للمثقفين في المنطقة، خاصةً الشعراء والقاصين؟ - هنا لابد من التفصيل، فهنالك مثقفون خارج المنطقة وأصولهم تعود إليها وهؤلاء يمثّلون ثقلًا كبير وجزءا من المشهد الثقافي السعودي العالي جدًا، بل إن منطقة الباحة تُعد من أكثر المناطق إنجابًا وتصديرًا للمثقفين المميزين، خاصة الشعراء والروائيين والنّقاد وكتّاب الصحافة، ولكن الوضع داخل المنطقة يمثّل كساحًا ثقافيًا أسهم في ترسيخه التشكيلة الأولى للنادي الأدبي، وأبقت الوضع كما هو التشكيلة الحالية، لولا تدخل فئة من المثقفين الأكاديميين من خارج المنطقة الذين كوّنوا ناديًا أدبيًا في الظل هو الذي يقدم الرؤية والآليات لأعضاء النادي الأدبي الحاليين، ومع ذلك فليس هنالك تطور ثقافي نابع من المنطقة،ُ بل هو تطور ثقافي مجتلب مستعار لم يحدث أي حراك ثقافي واقعي في المنطقة. ملتقى الرواية * ما رأيك في ملتقى الرواية؟ - ملتقى لا يملك هوية، فهو ليس أكاديميًا، وليس مهرجانيًا، وليس ثقافيًا عامًا، إنه طبخ على السريع يحرص على مشاركة أسماء لامعة وكل ذلك لتلميع النادي، أي هو ملتقى دعاية وإعلان في النهاية، اجتماع بعض النقاد والروائيين في الباحة يذكرني باجتماع بعض السياسيين في بعض المنتجعات ولا دور للمنتجع إلا توفير الإقامة والإعاشة والجو الهادئ لإنجاح الاجتماع!.. لماذا لأن المنطقة مازالت تعيش في داخلها حالة الموات الثقافي، بسبب طريقة تعيين مجلس الإدارة الحالي الذي في معظمه لا يملك رؤية أو مشروعًا ثقافيًا، ولكن الحق يقال إن التشكيلة الحالية على وجه الإجمال أقل سوءا من السابقة ويدعمها أقرباؤها من الأكاديميين. أنا والنرجسية * د. جمعان.. ما علاقة شخصيتكم بالنرجسية؟ - هنا تأخذ دلالة كلمة نرجسية أكثر من معنى، إذا كان المعنى المراد هو ما شاع بين عامة الناس من أن النرجسي هو الذي يحب نفسه فقط، أي الأنانية المفرطة، فالجميع في الباحة يعرف أنني تعرضت لأذى كثير بسبب موقفى من النادي الأدبي ووصل الأذى إليّ حتى في الجامعة، وبسبب ذلك هُمّشت كثيرًا، ويمكن يا سيدي الكريم أن تبحث عن مقالاتي حول مجتمع الباحة ومجتمع المملكة العربية السعودية وصنّفها في أي خانة نرجسية تريدها، وإذا لم يكفك ذلك فاسأل عني بعض مديري الإدارات الحكومية لتعرف نرجسيتي أكثر، وأما إذا كانت النرجسية عقدة نفسية تمثّل التماهي مع الأعلى وإيذاء الأدنى فالحمد لله لم أتول أي كرسي وتشبثت به وقمت بارتكاب كل ما أستطيع لأجل الحفاظ على الكرسي، إن الذين يتهموني بهذا الاتهام أرد عليهم بقول الشاعر: ومما زادني حبًا لنفسيَ أنني بغيض إلى كل امرئ غير طائل * وماذا عن حدية طرح الآراء الخاصة بالتطور.. ما سببها؟ - أعذرني السؤال غير دقيق، ماذا تقصد بالتطور، إذا كان قصدك التطور العلمي الذي عرضت له في كتابي ((التطور الإبستمولوجي للخطاب اللساني))، فالتطور في العلوم كما تؤكد ذلك آراء غاستون باشلار لا تحدث إلا عن طريق ثورات معرفية، تحدث قطيعة علمية، أي أن التراكم العلمي التدريجي لا يكفي وحده. * درستم لهجة قبائل الأزد في عصور الاحتجاج دراسة علمية، هل بقي شيء من تلك اللهجة في زماننا هذا؟ - نعم بقيت بعض المستحثات اللهجية، وهي في سبيلها إلى الزوال. * دار نقاش علمي بينك وبين الدكتور أحمد قشاش حول ماء حزنة والشربة التي باتت مبردة على طهيان.. هل آل ذلك النقاش الى نتيجة علمية ما؟ - هذا الموضوع قديم، والدكتور قشاش صديق عزيز، والاختلاف دار حول سلسلة نسب قبيلة شكر الأزدية التي أخالفه الرأي في انتماء قبيلة بني عمر الحالية إليها، وأما الطهيان فقد نزلت إليه وشربت من مائه لأجرّب صدق يعلى الأزدي في قوله: فليت لنا من ماء حزنة شربة مبردة باتت على طهيان وهذه القصيدة لمن لا يعرف هي من بين المائة صوت التي اختارها هارون الرشيد لتُغنى. * لك رحلات في تتبع خطى الأجداد على أديم أرض منطقة الباحة، متى يرى القارئ خلاصة تلك الرحلات ومعلوماتها ونتائجها العلمية؟. - نعم كان هذا إبان اهتمامي بفقه اللغة والآثار في المنطقة، وهي ما زالت مسودات، وربما أنشرها يومًا ما. تحليل الخطاب * كيف انتقلت في اهتمامك إلى تحليل الخطاب، وما المقصود بتحليل الخطاب؟. - لقد كان انتقالي من تخصّص فقه اللغة إلى تخصص علم اللغة مقدمة لانتقالي إلى تحليل الخطاب ولسانيات النص، لأنني أحسست بتشبّع وتضلع في المكون التراثي اللغوي عندي، فأحببت البحث عن أفق يبعدني عن الاجترار والتكرار، فكانت رسالتي للدكتوراة في لسانيات النص بجامعة الملك سعود وقد طبعت في المركز الثقافي العربي بدعم من نادي الرياض الأدبي، وأما تحليل الخطاب فهو تخصّص لغوي حديث يقوم على لسانيات النص وله مناهج متعددة منها اللساني والحجاجي التداولي ومنها الاجتماعي ومنها الفلسفي وهنالك ثلاثة مدارس كبرى في تحليل الخطاب هي المداس الألمانية والفرنسية والإنجليزية، وقد تحولت بعض من القراءات النقدية في المرحلة الأخيرة إلى الإفادة من مقولات تحليل الخطاب، وأعد حاليًا لورقة حول مظاهر هذا التحول إلى تحليل الخطاب عند الغذامي وعند معجب الزهراني وعند سعيد السريحي ربما أشارك بها في ملتقى النص في جدة. * اتهمت التعليم بأنه لا يعلّم الطلاب والطالبات اللغة العربية الفصحى، وإنك تتخوّف من اللهجات الوافدة؟ - يُلاحظ على مناهجنا أنها تعلّم اللغة العربية الفصيحة كلغة ميتة أو كلغة أخرى رسمية أوكلغة كتابية، في حين لا نجد مناهج تعلّمنا كيفية استعمال اللغة في البيت وفي الشارع وفي المستوى العادي وفي المستوى الأكاديمي، قارن باللغة الإنجليزية لترى كيف تُعلّم اللغة الإنجليزية كلغة للحياة، أما هنا فاللغة العربية تُعلّم كلغة ثانية وبطريقة سيئة جدًا، يضاف إلى ذلك أن الأسر الوطنية لوضع المناهج تكاد تكون هي هي لم تتغير، ويتضح من وضعها للمناهج هزال المحتوى، وغلبة الإيديولوجي على المعرفي، وتخلّف الطرق التربوية، ولعلك تذكر كيف انتفضت الولاياتالمتحدة لإصلاح منهاج التعليم بعد إطلاق أول قمر صناعي روسي، أما هنا فإن طريقة إصلاح المناهج تحتاج إلى إصلاح، وأما من حيث اللهجات الوافدة فباختصار هي ستكون لغة هجينًا مع مرور الزمن تؤثر فينا ونؤثر فيها. حفظ القرآن * اختلفتم مع الكثيرين حول إشارتكم إلى أن حفظ القرآن الكريم لا يحفظ اللغة العربية.. كيف ذلك؟ - صحيح.. لأن الاستشهاد بالآية الكريمة (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) على أن اللغة العربية ستبقى محفوظة بنص الآية لا يستقيم، حيث إن منطوق الآية ومفهومها ودلالة اللزوم فيها لا تساعد في الاستشهاد بالآية على حفظ اللغة العربية، أرأيت ولله المثل الأعلى لو قلت لك سأحفظ لك هذه الآنية من المعدن، هل يستلزم من ذلك حفظ كل المعادن، اللغة العربية واسعة في ألفاظها، وهي كبقية اللغات تتطور باستمرار، وتوجد عوامل ثبات وعوامل تحول في تطورها، ولاشك أن القرآن الكريم يساعد على ثباتها، ولكن ألا يمكن أن يأتي زمن تتغيّر فيه العربية وتحتاج معاني القرآن آنذاك فيها إلى ترجمة، وانظر في مقرئ القرآن من بورما والهند وباكستان وإيران والجمهوريات الإسلامية، ينطقون القرآن غضًا طريًا ولا يُحسنون حرفًا واحدًا في اللغة العربية، فالخلاصة أن جهود الناطقين باللغة العربية هي التي تجعل لغتهم قوية باقية، أما تفريطهم في لغتهم فهو الذي سيسهم في زوالها، واللغة العربية كما تعلم تعد لغة ميتة علميًا لا يُكتب فيها شيء بلغة العلوم البحتة، وهي غير منطوقة في أي بلد عربي، ويُحصر استعمالها في الجانب الرسمي، والجانب الكتابي للعلوم الشرعية والإنسانية، هذا الوضع جعل اليونسكو تصنّف العربية من اللغات المهددة بالانقراض في القرن الواحد والعشرين، إذن اللغة -أيّ لغة- تكون قوية بقوة أهلها، وتكون ضعيفة بضعف أهلها، ولندع التواكل والكسل المعرفي بتحميل نصوص القرآن ما لا تحتمل. * يقال إنك حاولت إدخال الفلسفة في منهج قسم اللغة العربية، هل هذا صحيح؟ - كنت مكلّفًا بملف الخطة الدراسية لقسم اللغة العربية في كلية الآداب، وحاولنا أن تكون الخطة متوافقة مع خطة قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة الملك سعود، إلا أنه حدثت اعتراضات كثيرة أدت إلى اضطراب في بعض أجزاء الخطة الحالية، وقد كان هنالك إصرار مني على إقرار مادة (نظرية المعرفة)، وفي المقابل غلبت الكثرة الشجاعة ورأى بعض الإخوة أنها مادة فلسفية لا علاقة لها باللغة وتم حذفها من الخطة الدراسية. والحقيقة أن تدريس الفلسفة أمر ضروري، لأن الفلسفة أم العلوم، خصوصًا فلسفة الإبستمولوجي التي يجب تدريسها على الأقل في أقسام الدراسات العليا وفي جميع التخصصات وإلا سنبقى في دائرة القص واللزق العلمي وتبقى معظم جهودنا العلمية اجترار وحفظ وتكرار.