حينما نلمح فئة ذوات الاحتياجات الخاصة من الفتيات نلمح في أعينهن بريق الأمل والتفاؤل لخلق مستقبل باهر لهنّ، لكن هذا البريق يخبو شيئًا فشيئًا حينما يصطدم بواقع المجتمع المعاصر اليوم، الذي يركن المعاقة في ركن بعيد عن الاندماج في المجتمع، وتحقيق الطموحات والآمال. “الرسالة” ناقشت ملف الفتاة المعاقة وكيف يتم اندماجها في المجتمع؟ وما أبرز العوائق التي تواجهها؟ وكيف للأهل أن يسهموا في البحث عن الزوج المناسب للفتاة المعاقة لتعيش حياة زوجية وتكوّن أسرة سعيدة فإلى مضابط الموضوع: بداية يؤكد المستشار النفسي الدكتور خالد باحاذق أن أهم عائق في نفسية الفتاة المعاقة هو أن تتقبل نفسها كما هي فقال: أهم نقطة على الفتاة المعاقة أن تفعلها هو أن تتقبل نفسها كما هي فهذه أهم خطوة تفعلها الفتاة ومن ثمّ تبدأ الخطوات الأخرى، فإن كثيرًا من الشباب أو الشابات لديهم شلل جزئي أو شلل تام ومع ذلك عاشوا حياتهم، لكن فلسفة المجتمع مع الأسف مختلفة فكثير من الشباب يريدون من المرأة أن تقوم بخدمته ورعايته وما تقدمه له من خدمات كما أن الهدف أيضًا في جانب الاستمتاع بها، وهنا يكون الخطأ فالمجتمع لا يتقبل الفتاة المعاقة بينما يتقبل الشاب المعاق وهذا طبعا يؤثر في نفسية الفتاة، لأن الكثير يعتقد أن السعادة الزوجية فيما يقدمه الآخر له ولا يفكر أن السعادة الزوجية فيما يقدمه هو للآخر، لا أتصور حتى الآن أن مجتمعنا مستعد لتقبل زواج المعاقة من شاب سليم لأن عدد الفتيات المطلقات أو العانسات تجاوز ثلاثة ملايين، فالعرض موجود وهو أكثر من الطلب، وخاصة في قضية الزواج من فتاة معاقة فأعتقد أن هناك صعوبة في تقبل المجتمع. إنجاز المعاقات وطالب باحاذق الفتيات المعاقات بأن يولين اهتمامهن للإنجاز فقال: على الفتاة المعاقة أن تتقبل نفسها وتحاول أن تسعد نفسها في حياتها وخاصة أن هناك فتيات إعاقتهن محدودة، فهناك فتيات مصابات بالعمى تزوجن وعشن حياتهن باستقرار، وهناك من تزوجت وهي بكماء وعاشت حياتها لكن تظل هذه حالات نادرة فلا نستطيع أن نقول إنها مقبولة مجتمعيًا، حتى إن أهل الشاب غالبًا ما يرفضون أن يزوجوا أبناءهم لفتيات معاقات. وأضاف باحاذق: إذا كانت الفتاة معاقة وتزوجت معاقًا فإنهم يحتاجون إلى من يساعدوهم ورعايتهم والقيام بشؤونهم، وهناك فتيات كثيرات طموحات رغم وجود إعاقة لديهن، وبعضهن تصرح أنها تريد معاقًا وبعضهن طالبات في الجامعات، واصلن تعليمهن لكن لديهن الطموح. يجب ألا تقسو الأسر على هذه الفئة وعليها أن تقبلهن كما هن، فقد يتقدم للمعاقة من يتزوجها، خاصة إذا كانت الإعاقة غير عقلية، ومع ذلك فإن زواج المعاقات حالات نادرة لذا أرجو من الأسرة عدم التركيز على قضية الزواج لدى الفتاة وخاصة أن مجتمعنا لا يتقبل فيجب أن نتحدث بواقعية، وأرجو أن نزيد من همة الفتاة في تحقيق طموحها وأن يكون الزواج أحد هذه الطموحات لكن لا يكون هو همها الأول. نوعية الإعاقة ومن جهةٍ أخرى يوضح عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور عبدالله الصبيح أن نوعية الإعاقة تُحدد كيفية التعايش معها فقال: نوعية الإعاقة تؤثر في التعايش مع المعاقة، فبعض الإعاقات تستمر معها الحياة الزوجية وبعض الإعاقات تكون معوّقة لاستمرار الحياة الزوجية ومكلفة، وقد تعوق بعض الإعاقات المرأة من القيام بشؤون بيتها فالعامل الأول يعتمد على نوعية الإعاقة، والعامل الثاني هو نضج الزوج وتقبله لزوجته المعاقة، فبعض الأزواج يكون شديد العتاب واللوم، فعلى مثل هذا ألا يتنصل من الواقع وأن يتقبل إعاقتها ويكون عامل مساعد لها فيعينها وييسر لها الحياة الكريمة، وهناك عامل ثالث في غاية الأهمية وهو مدى تكيف صاحبة الإعاقة مع إعاقتها، فهناك فتاة تتقبل الإعاقة وتتعايش معها وتصرف اهتمامها إلى جوانب من الإبداع في شخصيتها ومواهبها فالإعاقة لا تمنعها من تحقيق الإبداع فمن يرى إبداعها ينبهر من تميزها ومواهبها، ونجد أن هناك فتيات تضخم جانب الإعاقة وتصبح أسيرة لها فهي تصبح إعاقة وقيد لهذه الفتاة، وتجعلها مانعة لها من الشعور بالسعادة والرضا في الحياة، فالتكيف مع الإعاقة يجعل لها تأثيرا ايجابيا في الحياة. وشدّد الصبيح على أهمية الصراحة حين زواج الفتاة المعاقة فقال: على الأهل أن يسهموا في البحث للفتاة المعاقة عن زوج صالح، كما أن عليهم أن يكونوا صرحاء مع الزوج سواء كانت الإعاقة عضوية أو نفسية فلا بد أن تكون هناك صراحة مع الزوج فلا يخفى عليه شيء، الأمر الآخر أن يبحث الأهل عمن يتقبل هذه الفتاة ويكون زوجًا صالحًا لها وألا يكثر الأهل الشروط حتى وإن كانت زوجة ثانية أو ثالثة، إنما إذا جاء صاحب الخلق والدين فتقبل به إذا كان مستعدًا أن يكفل هذه الزوجة ويقبل بها ويحاول إسعادها، فلا يجب التساهل في قضايا الدين والخلق لكن في قضية المال والمنصب والتعدد وقد يكون الزوج عنده بعض الإعاقات الخفيفة فهنا ممكن يقبل ويتزوج بمعاقة ويكون توافق كبير بينهما. اندماج الفتاة المعاقة من جانبه يؤكد المستشار الأسري والنفسي الدكتور أحمد الشيخي أن اندماج الفتاة المعاقة في المجتمع حقٌ لها فقال: الاستمتاع بالحياة حق لكل إنسان، والإعاقة لا تمنع هذا الحق إلا بالقدر الذي يعجز صاحب الإعاقة عن القيام به، ولعل النظرة القاصرة من المجتمع للمعاق بالنقص والعجز تعد من أبرز معوقات اندماجه في المجتمع واستمتاعه بحقوقه الشرعية كالزواج، ولعل المرأة تأخذ النصيب الأكبر في هذا الانتقاص؛ للاعتقاد بقصورها عن أداء مسؤولياتها الزوجية والأسرية بالوجه المطلوب، إضافة إلى ذلك تقف البطالة كعائق كبير للحد من الزواج بشكل عام وزواج ذوي الاحتياجات الخاصة على وجه الخصوص، وهذه المعوقات تشكل تحديات كبيرة أمام الأهل في البحث عن زوج لابنتهم ممن يوثق بدينه وأمانته، وتتطلب منهم التواصل مع أهل الثقة في هذا الأمر كأئمة المساجد ومسؤولي عقود الأنكحة، والمواقع الالكترونية المتخصصة، وأهل الاختصاص يقولون إن زواج المعاق ممكن ولكن بشروط وضوابط، ومن هنا فإنه من الضروري أن يكون أحد الشريكين سليمًا وأن تتفاوت درجات الإعاقة بين الطرفين إذا كان كل منهما معاقًا، خاصة إذا كانت الإعاقة ناتجة عن عوامل وراثية وليست مكتسبة. واختتم الشيخي بالقول: أما المعاق عقليًا من الدرجة المتوسطة والشديدة فإنه غير ممكن؛ لأن صاحبه لا يمكن أن يقوم بمسؤوليات الزواج الاجتماعية والاقتصادية والأسرية. بينما تزداد فرص الزواج لدى أصحاب الإعاقات الحركية غير الوراثية وبطيء التعلم وغيرهم.