في نهاية شهر يناير نشرت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية تقريرًا عن المسلمين في العالم بدأته بالتساؤل: «هل المسلمين في سبيلهم للاستيلاء على العالم، أو على الأقل تعريب أوروبا؟».. وخلال الشهور الماضية لا حظنا حملة متصاعدة على المسلمين في أوروبا، والذين يرتبطون في ذهن الأوروبيين بالعرب أكان بسبب أعداد العرب المسلمين الكبيرة والمهاجرة إلى هذه الدول أو لأن الإسلام انطلق من الجزيرة العربية.. وتولي قيادة الحملة سياسيون بارزون مثل الرئيس الفرنسي ساركوزي أو غيره من السياسيين في بريطانيا وألمانيا والسويد وغيرها. ومنذ حوالي أسبوعين سلطت الأضواء في أمريكا على جلسة استماع مثيرة للجدل تقوم بها لجنة في مجلس النواب الأمريكي تحت عنوان: «مدى التطرف في الجالية الأمريكية المسلمة ورد فعلها على التطرف».. وتبنى هذه الجلسة جمهوريون متطرفون بينما عارضها أعضاء في الكونجرس من الديمقراطيين المعتدلين.. وأظهر استطلاع أجرته منظمة جالوب، المتخصصة في هذا المجال أن 52 بالمائة من الأمريكيين يوافقون على جلسة الاستماع مقابل 38 بالمائة لا يوافقون عليها.. وليست هذه الجلسة سوى واحدة من أكثر من اثنين وعشرين جلسة مماثلة في مجلس النواب والشيوخ، جرى تنظيمها خلال الخمس السنوات الماضية، حسب تقرير نشرته جريدة (النهار) البيروتية الأسبوع الماضي. القلق الأوروبي والأمريكي من التطرف الإسلامي دفع ببعض السياسيين في كل من أوروبا وأمريكا إلى اتخاذ مواقف غير عقلانية بل وأدى بالأمريكيين إلى وضع الخطط، خاصة في عهد بوش، لما أسموه حينها بتوفير الفرص لقيام فوضى في العالمين العربي والإسلامي وصفوها بالخلاقة، تؤدي إلى تفكيك بنى الدولة حيث تنطلق الفوضى وتقوي العناصر المناهضة للتطرف.. وإنتاج نظام ديمقراطي حسب المواصفات الغربية وتحت رعايتها. وقد سارع (مركز بيو للأبحاث) ومقره واشنطن العاصمة في الأسبوع الأخير من شهر يناير إلى نشر تقرير تحت عنوان: «مستقبل السكان المسلمين على مستوى العالم».. توقع فيه أن يرتفع عدد المسلمين في العالم من ألف وستمائة مليون كما هم عليه العام الماضي (2010) إلى ألفين ومائتي مليون بحلول العام 2030م، مما سيجعل نسبتهم إلى سكان العالم حينها 26.4 بالمائة. وسجل التقرير أرقامًا جديرة بالتأمل بالنسبة لمن يراقبون أحداث العالم هذه الأيام، ومستقبل العرب والمسلمين، كما يحتوي التقرير على معلومات كثيرة يمكن لمن يهمه الأمر الاطلاع على تفاصيلها في التقرير الكامل.. ففي عام 1995م كانت نسبة الشباب المسلم (من 15 إلى 29 سنة) إلى شباب العالم عشرين بالمائة وارتفعت العام الماضي إلى 26 بالمائة ويتوقع أن تقترب من الثلاثين بالمائة في عام 2030م.. إلا أنه من المتوقع أن يتوقف عدد المسلمين في وقت ما عن الزيادة وإن كان التقرير يشير إلى أن ذلك سيحدث بعد أن يتوقف نمو أعداد شعوب العالم الآخرين لا قبلهم.. فبينما صعد معدل سن الشباب المسلم من 19 سنة عام 1995 وأصبح المعدل اليوم 24 سنة.. فإنه سيصبح 30 عامًا في سنة 2030م، مقابل 40 سنة أو أكثر بالنسبة لعدد من الشعوب الأوروبية وغيرها. سكان باكستان حسب تقرير (مركز بيو) سيصل عددهم إلى 256 مليون في عام 2030م لتصبح أكبر دولة إسلامية سكانًا في العالم، وسيرتفع عدد المسلمين في الهند حينها ليصل إلى 236 مليون.. وبالنسبة لعدد المسلمين في أمريكا فإن التقرير يشير إلى أن عددهم اليوم هو 2.6 مليون مسلم، وهذا رقم يقل كثيرًا عن تقارير سابقة أشارت إلى أن عددهم الحالي يفوق الخمسة ملايين، ولكن التقرير يتوقع أن يزداد عددهم في عام 2030م إلى 6.2 مليون، وهو عدد يقارب أعداد اليهود حينها حسبما يشير التقرير، كما أن عدد المسلمين في كندا سيتضاعف خلال العشرين سنة القادمة حوالي ثلاث مرات. من الواضح عبر هذا التقرير، بالإضافة إلى المواقف والتصريحات السياسية في أوروبا وأمريكا أن هناك قلقًا كبيرًا من أن يفرض العدد المتزايد من المسلمين في أوروبا وأمريكا نمط حياة على المجتمعات الأوروبية والأمريكية يختلف كثيرًا عما يرغب الغربيون فيه.. وبالتالي فإن المواقف السلبية التي تظهر في تصريحات هذا الغرب الذي منع تركيا من دخول الاتحاد الأوروبي من المتوقع أن تدفع إلى أفعال لن تكون في صالح العرب ولا المسلمين.. وهذا الأمر يفرض على الطبقات الحاكمة في هذه البلاد إدخال إصلاحات جذرية في طريقة إدارتها لبلدانها تؤدي إلى مشاركة شعبية فعلية وفعالة في الإدارة ورفع مستوى الرضا عن الأوضاع الداخلية لهذه البلدان بشكل يقلص من احتمالات نجاح المشاريع الأجنبية التي تستهدف تفكيك مجتمعاتها وكياناتها. ص.ب 2048 جدة 21451 [email protected]