وهذه إشكالية تتكرر في مجتمعنا، دون أن يكون لها حل في الأفق. إشكالية لن تنتهي أبدًا ما دام في البلاد عباد يموتون، وذرية يرثون. في عكاظ (20 فبراير) قضية رُفعت إلى معالي وزير العدل بعد طول تنقل في ردهات المحاكم الشرعية وكتابات العدل العاجزة عن حل هذا اللغز وأمثاله. القضية هي إصرار كتابة العدل، والمحكمة العامة في مكةالمكرمة على الحضور الفعلي لحشد من 20 وارثًا كي يوافقوا معًا على إفراغ صك أرض عائدة لمورثهم لإحدى الجهات الحكومية تحقيقًا لمصلحة عامة (أو خاصة). هؤلاء العشرون لا بد أن يكونوا على قلب رجل واحد. ولو أن أحدهم فقط قال «لا»، أو رفض الحضور لانشغاله، أو (ربما لابتزاز الآخرين)، لما تم الإفراغ، مع أنه لا خيار آخر هنا، فالأرض قد نُزعت، ولم يبقَ إلا استلام التعويض المقابل. هل يا تُرى يجوز شرعًا وعقلاً تعطيل مصالح الأغلبية؛ لأن واحدًا منهم مصرٌّ على (التنكيد) على الآخرين؟ وهل يُعقل أن تعجز كل عبقرياتنا الفقهية، وأدوات الاستنباط المتراكمة عبر القرون عن حل هذه المعضلة؟ وفي حالات أخرى كثيرة تجمع الأغلبية مثلاً على بيع عقار ورثوه، فيأتي أحدهم مخالفًا رافضًا، فيُعطى الفرصة كي يشتري هو العقار بحكم حق الشفعة أولاً، والقرابة ثانيًا، فيستمر في الرفض، فلا هو يريد البيع، ولا يريد الشراء، مع أن في الورثة مَن هو محتاج جدًّا. وهكذا ينتصر رأي فرد واحد على رأي الأغلبية، وهو ما أحسبه منطقًَا غير متوافق مع ما تنادي به الشريعة المطهرة من دفع الحقوق، وتسهيل الأمور، وإلزام القلة برأي الأكثرية في غير معصية ولا إثم. ومن هنا تنقلب قضايا سهلة واضحة إلى ملفات طويلة، معقدة، شائكة.. جلسات تعقبها جلسات، ومواعيد تُلغى، وأخرى تؤجل لأن ذلك المخالف يرفض الحضور، ويصر على الممانعة، ولا يأبه إن مات الآخرون غيظًا وقهرًًا، أو حتى جوعًا وفقرًا. تطوير القضاء يا معالي الوزير لا يقتصر على المباني والتجهيزات، وإنما بالعقليات والإجراءات، والاجتهادات المصحوبة بالرغبة الشديدة في إحقاق الحق، والأخذ على يد المماطل والمتعنت والسفيه. [email protected]