حين نتأمل عصرنا الحالي وما تمر به حياتنا اليومية من أحداث نستشعر بأن السمة الواضحة لهذا العصر هي العنف وتتجسد صور العنف في العديد من المظاهر سواء أكانت عالمية كالحروب والنزاعات، أو محلية كالقتل والضرب والمشاجرات والتصادمات، وتسيب بعض الفئات واستهتار للقيم والموروثات الثقافية والاجتماعية والتباهي بثقافة الآخر، والإخفاق في الاتصال الإنساني في المحيط العائلي أو المحيط الاجتماعي ككل. ومما لا شك فيه أن حالات العنف أيًا كانت أنواعها أو أشكالها فهي تعبر عن حالة البثالوجيا الاجتماعية والنفسية والتي يعم وباؤها وينتشر في أنحاء كثيرة، فلا غرابة من أن ينتقل إلينا بعد أن صار العالم بفعل العولمة الثقافية كالمنزل الواحد، نظرًا لتلاشي الحدود الثقافية والاجتماعية. ومن البديهي أن نقول إن سلوك العنف والعدوان يمثل تحديًا لواقعنا الثقافي وتاريخنا الحضاري، فكيف يكون التصدي لهذه السلوكيات وتبعاتها. ولنحدد في بادئ الأمر طبيعة هذا السلوك بأنه سلوك اجتماعي المنشأ في أساسياته ومخرجاته الثقافية، وله العديد من التبعات والتأثيرات في حياتنا اليومية مما يفرض التصدي لهذا السلوك والمشاركة المجتمعية كأفراد جنبًا إلى جنب مع مؤسسات الدولة الرسمية لنرسم الوصفة المناسبة لهويتنا الأصيلة بعيدًا عن أي محاولات لاستعارة نماذج أو محاكاة لما هو قائم في مجتمعات أو ثقافات أخرى. إن خطورة هذا السلوك المرضي تتمثل في تأثيره على مسار الرقي الحضاري.. فهو سلوك رافض للتسامح المعيشي الذي تعودنا عليه في مملكتنا الحبيبة ومنكر لحقوق المواطنين الآمنين في الأمن والاستقرار. ويساهم في تشكيل هذا السلوك عدة عوامل نفسية واجتماعية أهمها في رأيي الأسلوب التربوي في المعاملة الوالدية والتي تقوم على أساليب متشددة أو صائبة. والسؤال: هل سلوك العنف والعدوان ذو أساس فطري في الإنسان أم أنه مكتسب؟! ولعل الإجابة على هذا السؤال تدفعنا لمواجهة ما تم اكتشافه وتحليله في السلوك الإنساني بشكل عام، حيث إن أغلب السلوكيات العامة في حياتنا اليومية هي سلوكيات في الغالب مكتسبة، ومن ضمنها السلوك العدواني أو العنيف حيث انه يتم تعلمه واكتسابه بالتقليد وبتبني اتجاهات وبتربية متسلطة في الغالب أو بممارسة محفّزة. كما يرتبط السلوك العدواني بمفهوم الذات الشخصي لدى الفرد. ويتخذ سلوك العنف والعدوان مرحلتين أساسيتين هما التهيؤ ثم التفعيل من خلال الاحتكاك الاجتماعي بالآخر. وقد ينتج في بعض الأحيان ارتباط اجتماعي جماعي ليس لغرض سوى تفعيل سلوك العنف وهذه تعتبر من أشد مستويات الخطورة الاجتماعية على الإطلاق، حيث يكون الرابط بين أعضاء الجماعة هو الاتجاه للعدوان والعنف وذلك لإرضاء نزوات غرائزية مكبوتة، أو استجابة لاستثارات عاطفية جامحة. إن الصراعات التي يعيشها الفرد والتي تباينت فيها العديد من القوى والاتجاهات حفّزت سلوكيات العنف والعدوان، وذلك بتقديم صور جديدة لتصورات اجتماعية متجددة، مما أدى إلى تحول في مضامين المفاهيم تحت ستار الحداثة، والعنف المضاد. لهذا فمن واجبنا كاجتماعيين وتربويين فهم هذه الظواهر الجديدة على مجتمعنا، وتحديد الصراعات التي تواجه الأفراد والمجتمعات ومحاولة التصدي لها بجميع الأشكال. إيلاف حسن عبدالحليم - جدة