في الشأن المصري الأخير، تقلبت سياسية الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ بداية الثورة الشبابية المصرية، خاصة عند النقاط المفصلية التي تحدثت عن رحيل مبارك ثم بقاء مبارك ثم الاستقرار أخيراً على رحيل مبارك. هذا التقلب سبقه غموض في الشأن التونسي، إذ لم يكن الموقف الأمريكي واضحاً حازماً منذ اللحظة الأولى، وكأنها مجرد موظف متردد يهوى الانعتاق من رقبة الظلم ويخشى في الوقت نفسه تمكن النظام من الوضع وعودته أشد شراسة وبطشاً. مرة أخرى، تثبت هذه المواقف انحياز السياسة الأمريكية لمصالحها المؤقتة على حساب مبادئها والقيم التي تدعو إليها. حتماً هذا الاستنتاج ليس سراً يُذاع، ولا عبقرية تُشاع. وفي الشأن الليبي المستعر حالياً، صمتت الولاياتالمتحدة لبرهة من الزمن ثم أعقب الصمت تردد في اتخاذ مواقف حازمة ضد هذا البطش غير المسبوق ضد المواطنين الأبرياء والمحتجين المسالمين، إذ سُفكت الدماء بغير وجه حق، وعلى أيدي ما أسمي بكتائب القذافي الإجرامية، وأغلبها من المرتزقة الأفارقة الذين لا تربطهم بأصحاب الأرض أي صلات قربى أو وشائج وطن، بل هم جُردوا حتى من إنسانيتهم فتحولوا إلى وحوش تفتك وتقتل وتسحل مقابل دريهمات يجود بها القذافي من أموال البلاد وحقوق العباد. لقد طال الصمت الأمريكي على المظالم التي تشهدها المنطقة العربية، ولن أضع الشأن الفلسطيني في القائمة باعتباره استثناء أمريكيا مبدئياً (أي يقوم على مبدأ)، وإن كان معتلاً ومختلاً. هذا الصمت أفرزته تناقضات الأقوال مع الأفعال، والشعارات مع الممارسات. ولذا فعند تعامل الشعوب العربية مع العم سام تظل الريبة والشك سيدة الموقف، وما عدا ذلك هو الاستثناء. لا أعلم إلى أين سينتهي الموقف الأمريكي من المشهد الليبي، فذاك اختبار آخر للدبلوماسية الأمريكية التي تبدو مواقفها حتى الساعة مقبولة من الناحية النظرية، مع أن كثيرا من الحديث يدور حول الاتصال بالنشطاء المعارضين، وكأن الولاياتالمتحدة تحاول (التبريح) لنفسها ضمانا للمستقبل. على الولاياتالمتحدة أن تحدد أولوياتها وترسم سياستها تجاه المنطقة فالأيام حبالى، وقد قرب المخاض، وربما تتابعت بمعدلات أسرع من المتوقع بكثير.