مصر ليست دولة نائية قابعة في مجاهل غابات الأمازون، ولا دويلة صغيرة موجودة على الكرة الأرضية بحكم لعنة التاريخ أو لعنة الجغرافيا، بل هي دولة أساسية في منطقة الشرق الأوسط ذات حضور سياسي واقتصادي هام جدًا، وتمتلك مساحة جغرافية ذات قيمة استراتيجية وتعداد سكاني هو الأضخم عربيًا. ولهذا لا يمكن القول إن ما يجري في مصر يخص فقط هذا البلد وأهله، بل هو يعني كل الدول العربية والإقليمية والدولية، وله انعكاسات مباشرة على جميع الأصعدة دون إعطاء أي أولوية لقطاع دون الآخر. وحتى لا نغوص في الأبعاد السياسية لما يجري، نكتفي هنا بالإشارة إلى التداعيات الاقتصادية معتمدين على أرقام أولية مرشحة لأن تكون أكبر وأضخم على المديين القريب والبعيد. فالبلاد خسرت يوميًا في ظل ما حدث الأيام السابقة 310 ملايين دولار، مما يعني أن توقعات مستويات النمو العام ستنخفض من 5.3% إلى 3.7% فيما لو توقف هذا النزف الآن، أما إذا استمر فإن هبوط مستويات النمو سيكون أكثر كارثيًا. وعن قناة السويس فإنها لا تزال مفتوحة أمام الملاحة حيث تعود على البلاد بمبلغ 4.77 مليار دولار سنويًا، ولكن يبدو أنه بدأت تظهر بعض الانعكاسات السلبية حيث أغلقت شركة “اي بي مولار - مايرسك” الدنماركية، وهي أكبر مجموعة للشحن البحري في العالم، بعض منافذها على القناة، إضافة إلى إحدى صالاتها السفرية. كما أغلقت شركة «لافارج»، وهي شركة كبرى لإنتاج مواد البناء، بعض مصانعها. وعلى المستوى السياحي فقد تلقى هذا القطاع ضربة قاصمة حيث لا تعمل الفنادق، ولا شركات الطيران، ولا شركات تأجير السيارات، ولا المطاعم والمقاهي والملاهي، ولا كل المؤسسات أو الأفراد الذين يعتاشون من هذا القطاع. ومعلوم أن إجمالي إيرادات مصر من قطاع السياحة المصرية بلغ 15 مليار دولار خلال العام الماضي، بما يمثل 11% من الناتج المحلي بعد دخول 16 مليون سائح. وعلى مستوى الاتصالات فإن كل يوم إقفال لشبكة الإنترنت يكلف مصر 18 مليون دولار، مما يعني ضياع نحو 3% من إجمالي الناتج المحلي. وبسبب حركات الاحتجاج وما رافقها من ارتفاع في أسعار المواد الضرورية أو فقدان بعض المواد من الأسواق، إضافة إلى البطالة القسرية وتوقف حركة التصدير والاستيراد، وكلفة أعمال الشغب والعنف فإن خسائر الاقتصاد المصري خلال أسبوع واحد فقط بلغت نحو 20 مليار دولار. وكشف تقرير اقتصادي عن أن حصيلة خسائر قطاعات النقل المصرية ارتفعت إلى 3 ملايين دولار يوميًا. أما خسائر السكك الحديدية المصرية فتبلغ مليون دولار يوميًا، فيما تبلغ خسائر الموانئ المصرية مليوني دولار يوميًا. وخسرت البورصة المصرية 12 مليار دولار في اليومين الأولين من التظاهرات قبل أن تعلق نشاطها فيما خسرت البورصات العربية 49 مليار دولار بسبب الأزمة في مصر، وسجلت أكبر الخسائر في الأسواق الخليجية التي خسرت 32 مليار دولار. ولعل السؤال الذي نطرحه إزاء هذه الأرقام المخيفة هو: هل من قاموا بهذه الاحتجاجات في الشارع أدركوا حجم الفاقد القومي..؟!! [email protected]