ماحدث في تونس ومايحدث في مصر وفي دول اخرى, يثبت أن حواجز الخوف هناك كُسرت , ومفاهيم المطالبة بالحقوق نضجت , ووسائل الاتصال الحديثه والقوية والمنتشرة حاضرة ومتحفزة في كل بيت وكل هاتف محمول , والرسالة وصلت ,بأن التغيير اصبح واجبا , والاوجب عدم التراخي والتأخير , , فلم تعد وسائل وادوات التكميم والمنع والحجب ذات فاعلية ,بل العكس صارت تؤدي للمزيد من الاحتقان والغضب الشعبي في تلك الدول , كذلك لم تعد تجدي امكانية خداع الجماهير هناك في وسائل الإعلام الرسمي , فالوعي الجماهيري , ترقى فوق مفاهيم لعبة الارجاف والتضليل , فالتخويف من ( الفتنة , والانفلات الامني , والعمالة ,والتدخل الخارجي , والمندسين , والتخريب) والتي وصفت بها مطالب وتحركات ومظاهرات تلك الشعوب ,أو اتهام الجماهير بأنها سبب الفوضى والهرج وترويج الاشاعات والقلاقل وبث البلبلة والنهب , أن مثل هذه الاتهامات والأقوال هي مجرد أراجيف وآراء لا أساس لها في واقع المحتجين , فقد أثبتت الثورة في تونس ومصر كذب هذه الدعاوى ,واصبحت هذه اللغة الإعلامية من مخلفات الماضي , وعلى الحكومات التي تطلق هذه العبارات عدم البحث عن كلمات اخرى جديدة , كوسائل لغوية لشل وتفتيت الحشود الشعبية فقد شبت الجماهير في تلك الدول عن الطوق , واصبحت المعرفة هي القوة , وحتى استخدام الايدولوجيا ( لتخدير الثوار ) لن تجدي نفعاً , فعودة الروح والوعي والرشد والإرادة القوية لدى تلك الجماهير , والتي اقلعت عن ادمان افيون الإعلام الرسمي الموجه ,يؤكد أن الحراك الشعبي هناك اصبح قدراً لابد من الإيمان به . فعلى الحكومات التي لاتعيش استقراراً سياسياً ,أو تعيش شعوبها تحت خط الفقر والعوز , أو لازالت الحرية دون مستوى تطلعات الناس في تلك الدول , أن تعيد صياغة نظام الحريات الإعلامية , بما يكفل الامان النفسي والمعنوي لكل صاحب رأي ,و إلغاء كافة أشكال مصادرة الحريات الأساسية والسياسية واستخدام الطرق القمعية والممتهنة لكرامة الجماهير , فالبث الفضائي لايمكن تجاوز تأثيره , وأي حكومة تخشى من قناة فضائية , أو صحيفة مقروءة , إنما يؤكد ذلك وجود شنائع وفظائع يرعبها الكشف عنها , إن هذا النهوض الشعبي من تحت ركام الخوف والخنوع الذي استمرأ الناس عليه , حان الخروج منه فالجماهير التي أعياها الوجع صار التغيير الكلي الناجز هو جل غايتها وغاية الحياة عندها. ليت حكومات تلك الدول تعي إن ثورة الخبز والحرية , هي من مقدسات الإنسان التي لايمكنه التنازل عنها ,و إن كرامة الجماهير لايمكن أن تدهسها وتقتلها دبابة جيش أو رصاصة امن ولا أن تغيبها تهمة المؤامرة , إنما تُكفل كرامة الناس بالحكمة والحقوق , وليس بفزاعة التخويف من الفوضى , أو التعتيم الإعلامي أو عدم الاستجابة للمطالب , أو الوعود التأجيلية ,أو الكلام المعسول , فالجماهير صارت اوعى واذكى , وحان الوقت لاحترام إنسانيتها .