كثيراً ما تدور في بعض المجالس على الألسنة كلمة «استخفاف» لكنها تمر على استحياء، فلا يلتفت إليها أحد، ولا تستوقف أحداً لأنها أصبحت سمة العصر حين سلم أكثر الناس عقولهم لغيرهم وأصبح أكثر همهم القريب العاجل. الخفة تلحق الجسم والعقل والعمل، لكن أخطر آثارها ما كان على العقل حين لا يتصرف المرء بما تقتضيه الحكمة والتفكير السليم، بل بما يزينه له غيره من رئيس أو مسؤول أو إعلام أصبح يجلس الناس صغاراً وكباراً أمامه ليصنعهم على عينه ويضعهم على منهجه. الرسول عليه الصلاة والسلام: الأسوة والقدوة والإمام يتلقى تحذير ربه له كي تكون أمته من بعده على حذر: (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ). ما أكثر من يمارسون الاستخفاف اليوم ممن أوكلت إليهم أمانة القيام على حاجات الناس المعيشية والحياتية والخدمية والطبية والتعليمية والسياسية، وما أكثر المستخف بهم، وما أفدح المصاب الذي يلحق بهم حين لا يخضعون ما يسمعون وما يرون لمنطق العقل السليم ويقولون: لا، ولو بأضعف ألوان الإنكار. الأمثلة لا حصر لها في نماذج الاستخفاف وآلامه، لكن العلة ليست في أن هناك استخفافاً واسعاً، بل في أن آثاره تظهر كل حين ولا تجد أحداً يمارس شيئاً من الوعي به أو التوعية بأضراره، وفي كل مرة تقع الكارثة لا تكاد تقع على من يلعن الاستخفاف وكوارثه. [email protected]