يبدو ان المجتمع العربي اصبح محموماً بالكثير من الامراض السياسية والاجتماعية والاقتصادية والادارية ويبدو ان تلك الامراض ليست وليدة هذه المرحلة بل هي حالة تجذرت في عمق التاريخ العربي المليء بالتقلبات التي لا تهدأ ولا تستطيع الخروج من بوتقتها الملتهبة دائما، ويبدو ان تلك الحالة اصبحت أنموذجا تتوارثها الاجيال العربية صاغرا عن صاغر حتى اصبح الفكاك منها أمرا إعجازيا، ويبدو ان اهم ركائز تلك الحالة المستعصية قضية كراسي المسؤولين العرب، تلك الكراسي التي اصبح لها عندهم جذور تمتد الى باطن الارض وتتجذر أفرعها عبر الجداول العميقة حيث تزداد قوة وانتشارا وتفرعا وارتفاعا يوما بعد يوم حتى تصبح تلك الكراسي وكأنها ضمن المكونات الطبيعية للأرض التي تقف عليها. ولسنا هنا بحال التخصيص لفئة معينة او جهة محددة، والغريب في الامر ان تلك الكراسي ممثلة في اصحابها قد استشربت حب السلطة الى درجة لا يمكن لها الحياة بدونها ولا يهم ما يحدث من نتائج بل يبقى الأهم هو البقاء لتلك الكراسي. ونتاجا لتلك الحالة انتقلت العدوى الى بقية المستويات الأدنى فالأدنى حتى وصلت القاعدة حيث نرى ان البعض من اصحاب تلك الكراسي يعيش حالة التوهم ان ذلك المكان يعد حكرا عليه فقط ولا يليق الا بمقامه وانه قد امتلكه حتى يزحزحه نظام التقاعد او ملك الموت. ويبدو ان المجتمع العربي المحموم كثيرا بتلك الامراض قد فاق من غفلته المتقادمة جدا وبدأ ينظر حوله في ظل عصر العولمة التقنية وبدأ يصدر أحكامه حيال تلك الكراسي التي لا تجني الا التخلف مما يوحي بقدوم عصر جديد يحكمه العقل والفكر لا المصلحة الخاصة. وكم أتمنى ان يرتقي العرب بفكرهم للتفاعل مع من حولهم ممن سبقهم من الامم التي فطنت الى تلك الحالة فاجتثتها ثم بنت لمجتمعاتها مجدا حضاريا اصبح مضربا للأمثال. وكم أتمنى من كل مسؤول عربي أوكل إليه أمر كرسي من الكراسي أيا كان مستوى سلطته ان يبدأ في تغيير قناعاته وان ينظر الى ذلك الكرسي انه محطة انتاج واثبات وجود في سلم الحضارة وانه وحده لن يحقق به مجدا شخصيا لأن ذلك المجد سينهار ويتلاشى بمجرد ان يزحزح عن ذلك الكرسي بل يبني مجدا لأمته يدونه التاريخ باسم مؤسسته أو باسم أمته، وهنا فقط يمكن القول إننا أمة سترتقي سلم المجد وتبني الكثير من اللبنات المضيئة في هيكل الحضارة، وهنا فقط يمكن القول إن كل فرد في هذه الأمة يقوم بدوره التكاملي الذي يحمل اسم الأمة لا أسماء الأفراد. ولعل هذا يعد سر نجاح الأمم وتقدمها وسمو حضارتها وعلو هيمنتها الذي نتمنى ان نصل اليه يوما من الايام في ظل مدخلات علمية حضارية تمقت كل سلوك متهاون متسلط والله تعالى من وراء القصد. www.Dr-muhammed.net [email protected]