أنا مواطنة سعودية في الغربة، تركت أهلي وبلدي الحبيب لأكمل دراستي، عندما يسألني أطفالي لماذا تركنا بيتنا وأهلنا وأصدقاءنا وجئنا إلى هنا فجوابي سيكون من أجل بلدنا، من أجل السعودية يهون تعبنا وسهرنا وغربتنا أمام عز بلادنا ولكي نراها للأمام مواكبة للتطور، نحن بناتك وأولادك نريد أن نكون معك في مسيرتك لتحقيق أحلامك وطموح مليكنا الحبيب، منذ أن ولدنا وحب وطننا مغروس في قلوبنا، في المدرسة كنا ننشد النشيد الوطني وندرس تاريخنا وتاريخ أمجادنا، كل خطوة نخطوها للأمام من أجل بلدنا الحبيب، كبرنا وحب بلادنا يزداد في قلوبنا إلى أن وصلنا أن نتركها ونترك أحبابنا وأهلنا ونتغرب من أجلها، ندرس ونكافح من أجل أن تعلو وتتطور، تدمع أعيننا ونرقص في حماس كل ما سمعنا (عاشت عاشت بلادي)، لكن الآن ببساطة لا أعلم ماذا أفعل؟ ماذا افعل بكل المشاعر والأحاسيس التي بداخلي بعد أمطار جدة، أريدها أن تجاوبني لماذا؟ وماذا بعد ينتظرنا؟. أنا متغربة في بلد تمطر سماؤها كل يوم، بيوتها مبنية من خشب وعمر شوارعها وبناياتها يقارب ما بين الخمسين والمئة سنة، أريد أن تجيبوني لماذا مشكلة أمطار جدة التي تأتي مرة في السنة مسألة جدا صعبة ومعقدة، لماذا بالنسبة للمسؤولين في مدينتي عمل شبكة صرف صحي في جدة مشكلة تشبه مشكلة الاحتباس الحراري، بل يخيل لي أنهم سيجدون حلاً للاحتباس الحراري ونحن أهل جدة مازلنا نغرق ونموت ونحبس في بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا وأعمالنا بسبب أمطار لا يوجد لها مصرف ومجرى تمشي به، أنا غاضبة لأننا أهل جدة صبرنا على تكسير الشوارع وإقفال مداخل بيوتنا بالأسابيع لعمل ما زعموا أنه تمديدات الصرف الصحي، تحملنا أصوات الحرفيات وتقفيل الشوارع والنتيجة أن نغرق من الأمطار وأيضاً النتيجة أننا مازلنا نسحب مجارينا بأنفسنا والمحظوظ منا من مجاريه تذهب مباشرة وتكب في البحر، فالسيناريو نفسه يتكرر منذ أكثر من ثلاثين سنة، أمطار تهطل على جدة، تغرق الشوارع وتصبح الحركة مشلولة، يغضب أهل جدة ويتساءلوا لماذا لا يوجد شبكة صرف صحي، تصبح الشوارع بركاً ملوثة للناموس والأمراض ثم تأتي الشاحنات وتسحب المياه من الشوارع تاركة حفراً للذكرى قائمة بواجب تكسير سياراتنا، وبعد يومين يهدأ أهل جدة وتصبح حكاية مزعجة يتذكرونها عند هطول الأمطار السنة المقبلة، وهكذا عاشوا أهل جدة إلى آخر سنتين عندما أصبح نزول الأمطار لا يعني فقط غرق الشوارع وشلل الحركة بل أيضا مصحوباً بغرق الناس وسيول وهدر أرواح وممتلكات، أنا مستاءة لأنه إلى متى سنرى مشاريع يصرف عليها ملايين الريالات مختوماً عليها (عدم أمانة)، وأخرى مختوماً عليها (سرقة)، وأخرى (غير فعالة) ما الفائدة من أن نتعلم ونتغرب ونأتي بالشهادات العالية إن كان حالنا على ما هو عليه، لقد تعب أهل جدة من مواطنين ومقيمين من العيش في بيئة ملوثة، تعبت شواطئنا وتعب سمكنا وتعبت شوارعنا وسياراتنا، أريدكم أن تجيبوني ماذا نفعل..؟!