من خلال كتابات بعض الإخوة الأعزاء عن الرسوب الوظيفي أرى أنهم قد وضعوا الأصبع على الجرح، حيث أشاروا بوضوح إلى مكمن الداء تاركين للمعنيين إيجاد الدواء. والرسوب الوظيفي ليس مسألة هامشية يمكن التغاضي عنها أو الاستمرار في تجاهلها بل هي تدخل في صلب اهتمامات جيش كبير من العاملين في قطاعات الدولة المختلفة والذين يتوقف عليهم وعلى جهدهم إنتاجية الإدارة في سائر المؤسسات وكل القطاعات. فمن غير المعقول أن يدخل إلى وظيفة الدولة من لديه الكفاءة والخبرة وممن تراوده طموحات مشروعة بأن يطور نفسه ورتبته وراتبه ولكن بحجة أن عدم توفر مراكز شاغرة -على سبيل المثال- يصبح محكومًا عليه البقاء لسنوات طويلة في مكانه دون امتيازات ولا حوافز ولا مبررات مشروعة لطالما أن القانون الوظيفي يبيح الارتقاء في السلم الوظائفي. ومن غير المعقول أن يصل موظف إلى درجة ما يبتغيه لأن الحظ حالفه فصدرت بحقه توصية أثمرت عن ترقيته رتبة وراتبًا فيما زميله الذي يجاريه خبرة وعلمًا وخدمة بقي في مكانه مثل “أثاث” المكتب الذي يشغله. ومن غير المعقول أن نتساءل فيما بعد لماذا هذا الموظف غير منتج في عمله أو لماذا ذاك الموظف مديون، أو لماذا كلاهما مصاب بإحباط نفسي..؟! فإذا كان البعض يردد أن الترقي الوظائفي ليس حقًا فإنه يخطأ فيما يقول لأن مبدأ الارتقاء في السلم الوظائفي حق يكفله النظام ويحرص أولياء الأمر على توجيه القائمين على شؤون العاملين في الدولة لتنفيذه “إذا ما توافرت شروط الترقية” لحرصهم على الرقي بمستوى أداء موظف الدولة باعتبار أن هذه المسألة من أهم الأمور التي تشكل دافعًا قويًا لدى الموظف ليبذل دائمًا المزيد من العطاء المصحوب بما تقتضيه شؤون الوظيفة من تطور وتقدم وتحصيل خبرات. ولكن العقدة قد تكون لدى الإدارة المختصة التي قد تجد تبريرًا لتصرفها بقولها: لا شواغر مطلوبة أو لا حاجة حاليًا لموظفين من هذه الدرجة أو تلك.. ويغيب عن بال هذه الإدارة المعنية مقدار الأذى الذي تلحقه بالبلاد لأن الإبقاء على موظف لسنوات طويلة، تتجاوز المدة النظامية، بنفس الرتبة والراتب سينعكس سلبًا على وضعه الاجتماعي والنفسي والمادي الأمر الذي قد يضطر البعض إلى اللجوء إلى تلقي الرشاوى لكي يؤمنوا ما يحتاجونه من متطلبات الحياة أو يدفع البعض إلى التملق لهذا المسؤول أو ذاك طمعًا في منصب أعلى وراتب أكبر، فيتحول بذلك إلى موظف مستلزم يعمل وفق ما تمليه عليه مصلحته الشخصية لا مصلحة بلده ومواطنيه. ونحمد الله أنه صدر في السنوات الأخيرة قرار مجلس الوزراء الذي وضع ضوابط لترقية الموظف.. إلا أن النظام الخاص بالخدمة المدنية هو ما يستحق التطوير والتحديث لينسجم مع معطيات العصر. بات المطلوب من وزارة الخدمة المدنية النظر بكل حرص في موضوع الرسوب أو التخلف الوظيفي وإعطائه كل الاهتمام الذي يستحقه وتطوير الأنظمة واللوائح التي تكفل لكل موظف حقه وتأمين حياة كريمة وآمنة له ولمستقبله.. تمشيًا مع تطلعات ولاة الأمر ممثلة في شخص صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد وزير الدفاع والطيران والمفتش العام رئيس اللجنة العليا للتطوير الإداري التي يتابع سموه -يحفظه الله- تنفيذ توصياتها، وذلك تنفيذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين.. فالقيادة الرشيدة -أيدها الله- حريصة على رفاهية الوطن والمواطن، والوظيفة العامة ليست عالة على المجتمع بل مسخرة لخدمة الوطن والمواطن، ولإعالة عائلة ومواطن وبلد. [email protected]