لا أحد يستطيع أن يتجاهل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية في تونسوالجزائر، ولا الارتفاع المتواصل في أعداد العاطلين عن العمل، وبخاصة في صفوف الشباب، ولكن التعبير عن واقع الحال في صفوف المتضررين ليس بالضرورة أن يتم عبر اللجوء إلى الشارع وتخريب المؤسسات وتدمير الأملاك العامة بل عبر التحاور مع السلطات المعنية والتآزر معها في سبيل الوصول إلى حل لمشكلة تتطلب الكثير من الصبر والدرس والتخطيط والعمل على تأمين المستلزمات. فالدولة لم تتعمد التسبب بأزمة اجتماعية، ولكنها أيضًا لا تملك عصا سحرية لحلها، وأن ما يحدث في تونسوالجزائر يحدث أيضًا في كل دول العالم دون استثناء مما يعني أن المسألة ليست مرتبطة بسوء التخطيط والرعاية والعناية بل بمقدرات البلاد وطاقاتها وإمكانياتها، وبالنمو السكاني مقارنة مع الدخل القومي الخام. ففي تونس تفيد دراسة مولها البنك الدولي عن بطالة حاملي الشهادات العليا التونسيين أنها ارتفعت إلى أكثر من 70% في صفوف الفنيين المهرة وأكثر من 31% بين المهندسين الزراعيين. واستنادًا إلى إحصاءات المعهد الوطني للإحصاء بلغت نسبة البطالة في تونس ما بين سنوات 1994 و1999 نحو 16.2 بالمائة، ثمّ تراجعت ما بين 1999 و2004 إلى 15.2 بالمائة، ثمّ ما بين 2004 و2008 إلى حدود 14.2 بالمائة، وهي نسبة معتمدة من قبل منظمة العمل الدّولية. وتقول تونس إنها رسمت عدّة أهداف لعام 2010 من أجل امتصاص نسبة البطالة منها إحداث 70 ألف فرصة عمل، مقابل 57 ألف فرصة عمل عام 2009. وهذا ما يؤكد وجود سياسة اجتماعية استباقية، ولكن ما وفرته الدولة كان أقل مما هو مطلوب شعبيًا فكانت نتيجة ذلك اللجوء إلى الاحتجاجات التي انطلقت من ولاية سيدي بوزيد، 265 كلم جنوب العاصمة تونس، ثم امتدت إلى العاصمة ومدن القصرين ومدنين وقابس وبنزرت وسوسة وبن قردان والقيروان وجزيرة قرقنة، ثم توسعت لتشمل كلًا من مدن قفصة والكاف وباجة وقبلي. والوضع في الجزائر ليس أفضل شأنًا إذ يبلغ معدل البطالة في الجزائر التي يبلغ تعداد سكانها 35 مليون نسمة نحو 10% وفق الأرقام الرسمية، غير أن منظمات مستقلة تقدر النسبة بنحو 25%. وكانت الجزائر قد أعلنت أن ميزانها التجاري حقق خلال ال11 شهراً الأخيرة فائضًا بلغ 14.83 مليار دولار مقابل 4.68 مليارات بالمدة نفسها من العام الماضي. وكانت الدولة تخطط لإحداث المزيد من الفوائض عبر رفع الدعم الحكومي عن بعض السلع الغذائية ولكن كانت ردة الفعل الشعبية سريعة حيث خرجت تظاهرات في عدد كبير من أحياء الجزائر العاصمة؛ ومن ثم انتقلت العدوى إلى بجاية بمنطقة القبائل، على بُعد نحو 260 كلم شرقي العاصمة الجزائرية، وكذلك إلى بومرداس. وإذا كانت حركات الاحتجاج قد تسببت بما تسببت به من أضرار، فإن المحتجين يعلمون جيدًا أنه لا مناص من العودة إلى الحوار مما يعني أن الشغب لم يحل المشكلة.