من المفترض أن يكون هناك تتالٍ ما بين (1) و(2) لموضوع (الأرض)، ولكن جاءت الأمطار الأسبوع الماضي لتفصل بينهما، وذلك لأن المطر أصبح بكل تأثيره ومؤثراته يمثل هاجسية أولى لذلك فصلنا بين الحلقتين بموضوع المطر. وعمومًا فإن (الأرض) تظل القضية الباقية المتجددة التي تحتفظ بأهميتها ولا تتعرض للتقادم. في الحلقة الأولى من (الأرض) تحدثنا عن معاناة أصحاب العقارات المنزوعة لصالح الطريق الموازي، تحدثنا عن الملكية الفردية، وعن الاستثمار الجماعي، وعن التقديرات، وعن معاناة الناس، وعن علامات الاستفهام في الإفراغات التي تتم لصالح الشركة المستثمرة في المشروع وليس لصالح الدولة. اليوم نتحدث عن قضيتين مؤثرتين شغلتا الرأي العام كثيرًا، والقضيتان أيضًا تنبعثان من مشترك واحد هو مفردة (الأرض)، وهاتان القضيتان هما قضيتا التعديات والصكوك المزورة، وحين نعرج على موضوع التعديات فإن المتابع يلحظ أن التعديات على الأرض الحكومية وما يعرف بالأراضي البيضاء مسلسل توالت حلقاته على مدار سنوات، وكثيرًا ما تطلعنا وسائل الإعلام المحلية وبالذات الصحافة بأخبار التعديات والفصول في هذا المسلسل تكاد تتشابه، فالمشهد لا يخرج في الغالب عن وجود من يحاول الاستيلاء على (أرض) حكومية أو (أرض) بيضاء، سواء كان الاستيلاء على مستوى فردي أو جماعي، وفي المقابل الجهات ذات العلاقة تحاول إيقاف هذا التعدي. وعلى أطراف المشهد تبرز بعض الهوامش الصغيرة: إن البعض راح يسابق الريح في التحديد والبناء وأيضا السكن، في حين أننا كنا نقابل ذلك بإغماض العيون ولا نتحرك إلا حين انتهاء التعديات، وهو ما يثير المشاكل بين مجموعة من المتعدين الذين يرون الدفاع عن مساكنهم وأهليهم وبين الجهات المكلفة بإزالة التعديات، ولو أن (الأراضي) البيضاء كان عليها رقيب أصلًا أو وصلنا إليها مبكرًا لما حدثت التعديات، وعمومًا ستظل في نظري المعادلة قائمة بين متعدين يحاولون الاستيلاء على الأراضي بأي شكل وبأي طريقة وبين جهات تحاول منع التعديات وإزالتها. والحقيقة إنني أنظر إلى الأمر من منظور آخر هو: لماذا يتعدى المتعدون على الأراضي؟! أعتقد أنه من الخطأ أن نحشرهم جميعًا داخل سلة واحدة! فهناك من يحاول الخروج به من عنق الزجاجة ويبحث عن الخلاص من دائرة الاحتباس التي يعيش فيها، وهناك أناس مطحونون يعيشون بين فكي رحى، فالحياة ثقيلة عليهم ولا رواتب لديهم أو دخولهم متدنية جدًا ولا يقوون على الإيجارات السكنية المرتفعة، ولذلك هم يخرجون إلى كل مكان يحاولون البحث عن إيجاد مأوى لهم، لذلك هم يهربون إلى خارج المدينة، حيث توجد الأراضي الخالية يقيمون عليها مساكنهم. ما يكاد أحدهم يلتقط أنفاسه حتى يفاجأ بمن يزيل ما بناه. أقول لمثل هؤلاء: من الخطأ الكبير أن نعتدي على ما ليس لنا حق فيه، وفي المقابل مثل هؤلاء المواطنون يحتاجون منا إلى إعادة نظر بما يكفل لهم حياة كريمة، ولن نعدم الطريقة والآلية التي تنظم مثل ذلك من إيجاد مجمعات سكنية أو تخطيط الأراضي تخطيطًا حديثًا ومنحها إليهم، أو حتى البيع عليهم بأثمان رمزية أو ميسرة.. إنني أتعاطف كثيرًا مع مثل هذه الفئة المتعبة وهذا لا يعني أننا نقبل (التعدي) أو نقره. من جهة أخرى فإن الذين يستحقون الوقوف بصلابة أمامهم هم أولئك الذين يتعدون على الأراضي بهدف استثمارها، سواء بتملكها أو بيعها بوثائق وهمية، مستغلين ظروف الناس الذين يبحثون عن (أرض) رخيصة الثمن، هؤلاء هم من نتعقبهم ونحاسبهم، ثم إذا ما أفلحوا في الضحك على ذقون الغلابة مستغلين ضعفهم، فعلينا نحن ألا نتفرج عليهم، بمعنى لا نقف فقط عند إزالة التعديات من البسطاء الذين اشتروا من المعتدين المستثمرين، وإنما نعيد لهؤلاء البسطاء حقوقهم وأموالهم التي اشتروا بها تلك الأراضي من أولئك المستثمرين. النقطة الأخرى هي قضية الصكوك المزورة والمضروبة التي انتشرت هذه الأيام والتي نشرت «المدينة» شيئًا منها، بالتأكيد فإن هناك فسادا إداريا بأي شكل من الإشكال أدى إلى وجود ظاهرة الصكوك المزورة والضحية هي (الأرض). ودعوني أقول شيئًا مهمًا وهو أن المعتدين الكبار على الأراضي البيضاء وأصحاب النفع في الصكوك المزورة هم هوامير يقفون خلف الستار ومن دونهم ومن تحتهم مجموعات ومجموعات تعمل على اكتشاف الأراضي وتطبيقها والاستيلاء عليها لصالح هؤلاء الهوامير. إننا في النهاية مع هؤلاء، نواجه ما يشبه حكاية مغارة «علي بابا وال40 حرامي»، هذه هي القصة باختصار، وهنالك «باباوات» كثيرة، ولصوص أراضٍ أكثر، والمؤسف أن الضحايا دائمًا هم البسطاء. خاتمة: اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض.