اتسعت مدينة جدة، وكثر سكانها حيث تجاوزوا الثلاثة ملايين نسمة، وبقيت مستشفياتها الحكومية الكبرى كما هي: الملك فهد، والملك عبدالعزيز، والقوات المسلحة، والحرس الوطني، والثغر، والولادة بشطريها العزيزية والمساعدية، كما أن هناك مستشفيات تابعة للقطاع الخاص تساند هذه المستشفيات وتعمل كرديف لها من حيث تقديم خدمة العلاج باهظة التكاليف لمن يريد الاستشفاء حين يلجأ إليها مضطرا بحثا عن العلاج من الأمراض المتنامية يوما بعد يوم. إن من الإجحاف أن نحمّل المستشفيات الحكومية أكثر مما تطيق، ولا يمكن لهذا العدد المحدود جدا من المستشفيات أن يلبي احتياجات سكان محافظة مليونية بضخامة محافظة جدة، أو أن نمارس الضغط على كوادرها الطبية بتلبية احتياجات هذا الكم الهائل من البشر المتدفق على هذه المستشفيات الطالبين للعلاج من إصابات الحوادث، والعمليات، والرعاية الصحية الكاملة للمنومين، والخدمات المقدمة لهذه الشريحة العريضة من المرضى، وغير ذلك. إن معظم المترددين على المستشفيات الحكومية (وهم بالآلاف) من ذوي الدخول المحدودة من الفقراء والبسطاء من الناس الذين يبحثون عن العلاج المجاني الذي وفرته لهم الدولة، ولكنهم لا يجدون العناية الكافية من شدة الزحام، فإلى متى يظل الناس ينتظرون فتح مستشفيات جديدة تقدم خدمات طبية متكاملة تنقذهم من فتك الأمراض التي بدأت تظهر في مجتمعاتنا بشكل لافت للنظر، وتحتاج إلى استجابات طبية عاجلة لوصف العلاج وكبح جماح المرض الذي بدأ ينهش في أجساد أعداد كبيرة من الناس؟. الحكومة لم تقصر في دعم هذا القطاع، وخطط وزارة الصحة طموحة وفيها الكثير من المشاريع المطروحة، ولكن هذه المشاريع بطيئة جدا وتأخذ مُددا طويلة وتحتاج إلى تمويل وسنوات للإنجاز، والناس في المقابل نفد صبرها ولا يمكن أن تصبر أكثر من ذلك، خاصة فيما يظهر من تباعد للمواعيد المعطاة للمرضى والتي يصل بعضها إلى شهرين وثلاثة أشهر وربما أكثر، وحتى يأتي دور المريض الذي أنهك جسده المرض يكون قد تفاقم الوضع وأصبح من الصعب المعالجة، وربما يوافيه الأجل المحتوم، ولم يأت دوره!! ولذا يلجأ كثير من البسطاء والفقراء للمستشفيات الخاصة التي تصيب المريض بمرض آخر وهو استنزاف ما تبقى لديه من أموال، ويصبح مثقلا بالهموم في ظل غياب التأمين الصحي الذي نسمع به ولم نره حتى الآن. أما عن المستشفيات والمستوصفات الخاصة فهي تجارية بحتة وتبحث عن الربح السريع، وترهق المواطن بأسعار باهظة، ولا تخضع لقيود من أي جهة وإنما هي حسابات تقديرية من إدارة المستشفى أو المستوصف، إضافة لما يرافقها من تحاليل وأشعة وغيرها من متطلبات تُدخل طالب العلاج في دوامة لا يعلم مداها إلا الله. الوضع الصحي لدينا يحتاج إلى تطوير شامل لكل قطاعاته من: زيادة في أعداد المستشفيات، ووفرة للأطباء، وتأمين للدواء، والعناية بكوادر التمريض، أما المعدات فهي موجودة ومتوفرة ومن أحدث الأجهزة وعلى أرقى المستويات، ولكنها تحتاج إلى فنيين، ومشغلين، وعاملين للصيانة والتشغيل وتقديم خدمات أفضل من أجل العناية بالمريض. نحن نعلم أن وزارة الصحة تزخر بالعديد من الكوادر الوطنية المؤهلة في قيادة هذا الصرح الكبير والذين يعملون ليل نهار من أجل تقديم خدمة أفضل للمواطن والمقيم، ولكن هناك عجزًا واضحًا في مستشفياتنا، فالناس في كرب عظيم، والمراجع أو الزائر للمستشفيات العامة أو الخاصة من داخل المدينة أو خارجها من المحافظات أو المراكز المجاورة يلاحظ كثرة المراجعين والمترددين على هذه المستشفيات التي بدأت تئن من شدة الزحام. وهؤلاء يحتاجون إلى خدمات طبية عاجلة لا يمكن لهم الانتظار لفترات زمنية متباعدة سواءً للحصول على الخدمة أو الفوز بسرير لاحتواء المريض، الأمر الذي يمثل صعوبة بالغة للحصول عليه، أو البحث عن واسطة لإنقاذ المريض من براثن المرض الذي لا يمهل الناس طويلا، ولا ينتظر وزارتنا الموقرة حتى تنجز مشاريعها المتعثرة.