الغناء والموسيقى: الأصل فيهما الحل والإباحة.. والحرمة عارضة.. وحب اللذة غريزة فطرية فطر الله الإنسان عليها.. والشرع ينظمها دون قمع ودون إفراط ومرويات التحريم للغناء والموسيقى ضعيفة أو تتحدث عن توظيف الغناء والعزف في المحرمات المقطوع بحرمتها. بهذا أفتى أعظم فقهاء القرن العشرين الإمام الاكبر الشيخ محمود شلتوت(1310-1383-1893-1963م) فقال: “إن الأصل الذي أرجو أن يتنبه الناس إليه.. هو أن الله خلق الانسان بغريزة يميل بها إلى المستلذات والطيبات التي يجد لها أثرًا في نفسه بها يهدأ وبها يرتاح وبها ينشط وبها تسكن جوارحه، فتراه ينشرح صدره بالروائح الزكية التي تحدث خفة في الجسم والروح وينشرح صدره بلمس النعومة التي لا خشونة فيها وينشرح صدره بلذة المعرفة في الكشف عن مجهول مخبوء وتراه بعد هذا مطبوعًا على غريزة الحب لمشتهيات الحياة وزينتها من النساء والبنين والقناطيرالمقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث. ولعل قيام الإنسان بمهمته فى هذه الحياة ما كانت لتتم على الوجه الذي لأجله خلقه الله.. إلا إذا كان ذا عاطفة غريزية توجهه نحو المشتهيات، وتلك المتع التي خلقها الله معه في الحياة فيأخذ منها القدر الذي يحتاجه وينفعه. ومن هنا قضت الحكمة الإلهية أن يخلق الانسان بتلك العاطفة وصار من غير المعقول أن يطلب الله منه بعد أن خلقه هذا الخلق وأودع فيه لحكمته السامية هذه العاطفة – نزعها أو إماتتها أو مكافحاتها- في أصله وبذلك لا يمكن أن يكون من أهداف الشرائع السماوية في أية مرحلة من مراحل الانسانية طلب القضاء على هذه الغريزة الطبيعية التى لابد منها في هذه الحياة. نعم للشرائع السماوية بإزاء هذه العاطفة مطلب آخر يتلخص في كبح الجماح ومعناه مكافحة الغريزة عن الحد الذي ينسى به الإنسان واجباته أو يفسد عليه خلقه أو يحول بينه وبين أعمال هي له في الحياة ألزم وعليه أوجب ذلك هو موقف الشرائع السماوية من الغريزة وهو موقف الاعتدال والقصد لا موقف الإفراط ولا موقف التفريط وهو موقف التنظيم لا موقف الإماتة الانتزاع هذا أصل يجب أن يفهم ويجب أن توزن به أهداف الشريعة السماوية وقد أشار إليه القرآن : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) -الإسراء 29- فإذا مال الإنسان على سماع الصوت الحسن أو النغم المستلذ من حيوان أو انسان وآلة كيفما كانت أو مال إلى تعلم شيء من ذلك فقد أدى للعاطفة حقها وإذا وقف بها عند هذا الحد الذي لا يعرفه عن الواجبات الدينية أو الأخلاق الكريمة أو المكانة التي تتفق ومركزة كان ذلك منظمًا لغريزته سائرًا بها إلى الطريق السوي وكان مرضيًا عند الله وعند الناس. وبهذا يتضح أن تعلم الموسيقى – مع الحرص على الفرائض والتكاليف نابع من الغريزة التي حكمها العقل بشرع الله وحكمه فنزلت على ارادته وهذا هو أسمى ما تطلبه الشرائع السماوية من الناس في هذه الحياة. وقد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن كثير من الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء أنهم كانوا يسمعون ويحضرون من مجالس السماع البريئة من المجون والمحرم.. وذهب إلى مثل هذا الكثير من الفقهاء الذين قالوا: إنه ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا في معقولها من القياس والاستدلال ما يقتضي تحريم مجرد سماع الأصوات الطيبة الموزونة مع آلة من الالآت.. ولقد تعقبوا جميع أدلة القائلين بالحرمة.. وقالوا إنه لا يصح منها شيء. هكذا افتى الشيخ شلتوت في هذا الأمر الذي لا يزال مثار للجدل والاختلاف!؟.