يدخل الرجل إلى عقد الزواج ثابت الخطى مطمئن النفس إلى ضمانات لم تمنحه إياها الشريعة الإسلامية بقدر ما منحته إياها اختيارات معينة ضمن مجموعة خيارات متاحة انتقتها من بينها وزارة العدل. وفي المقابل تدخل المرأة هذا العقد قلقة، مرتبكة لانعدام ضمانات تحقق أمانها واستقرارها النفسي. ولعلني أورد في نقاط محددة الإجراءات المبنية على الخيارات الانتقائية لوزارة العدل والتي يمكن استبدالها بخيارات أخرى تتيحها الشريعة تضمن استقرار جميع أفراد الأسرة (الزوج، الزوجة، الأبناء)، وأمان المرأة بشكل عام. 1- تعمل المحاكم في الخلع بقول الحنابلة القاضي بدفع المرأة المهر للرجل مقابل الفراق حتى لو كان مضرًا بها ويسيء عشرتها. مع أن هناك قولًا للمالكية يقصد إلى رفع الضرر عن المرأة في هذه الحالة، يجبر به الزوج على تطليقها متى ثبت ذلك للقاضي بسؤال الجيران والأقارب. وبالتأكيد هذا لن يفعِّله إلاّ وجود لجنة اجتماعية استشارية تستطيع أن تقف على صدق دعوى المرأة، ومتى ما ثبتت فرّق القاضي على الزوج دون عوض أو مقابل. وهذا الخيار المالكي رغم عدم العمل به في محاكمنا إلاّ أنه أقرب إلى النص الشرعي في حديث ثابت بن قيس عندما قالت زوجته: (ما أعيب عليه من خلق ولا دين)، وفي رواية: (ما أعتب عليه في خلق ولا دين)، ومع ذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة). فهو لما كان غير مضرٍ بالمرأة، كان العدل معه أن تؤدي له المهر الذي يعوضه بزوجةٍ أخرى. ومن العدل أيضًا أنه متى كان ظالمًا لها ألاّ نعينه على الظلم باستلاب عمر المرأة ومالها أيضًا، وقد تكون لا تملك ما تفتدي به نفسها من ظلمه. 2- تعمل المحاكم المحلية بقول الحنابلة في الحضانة القاضي بتخيير الولد بين أبويه، وإجبار البنت في اللحاق بأبيها. مع وجود قول الشافعية القاضي بتخيير الاثنين، وهو أكثر اتساقًا مع النص الشرعي، حيث إن النبي -صلى الله عليه وسلم- خيرّ غلامًا بين أبويه، والحادثة جاءت اتفاقًا في صبي، ولم يثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال بأحقية الصبي بذلك دون الفتاة، مما يجعل قول الحنابلة من أضعف الأقوال الفقهية في المسألة. وقد كنت كتبت مقالًا مفردًا في مراجعة هذا التطبيق القضائي في المحاكم السعودية بعنوان: (الحضانة في التطبيق القضائي دعوة إلى المراجعة (وهذه القضية تحديدًا ترتب عليها بالتطبيق القائم محاذير كثيرة وأضرار جسيمة ربما تلتفت إليها وزارة العدل: أ- كثير من الفتيات سلمن لآباء عنيفين ظالمين بمقتضى هذا الخيار، مما كان سببًا في قتل بعضهن، والاعتداء الجسدي البليغ بالبعض الآخر، وحرمان بعضهن من التعليم وغير ذلك، وقد كثر ورود أخبار كثيرة من هذا القبيل في الصحف السعودية مؤخرًا. وقد ناديت في مقالي حول التطبيق القضائي القائم بضرورة إلحاق لجان اجتماعية ونفسية استشارية بالمحاكم تساند القضاة في النظر والبحث عن البيئة الأفضل لتربية الأبناء في قضايا الحضانة، والتي لا يشترط أن تكون بيئة الأم، كما لا يشترط أن تكون بيئة الأب حتى في حال تزوج الأم، يظل الهدف هو وضع الطفل في المكان المأمون، على اعتبار أن هدف الحضانة هو التربية والعمل على ما فيه صلاح المحضون. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينزل عليه الوحي الذي يوجهه إلى الصالح من الأحكام باعتبار النبوة، والقضاة ليسوا أنبياء؛ لذا كانت حاجتهم شديدة للجان معينة لهم للقيام بواجبهم تجاه الصالح، حتى لو كان ذلك الصالح بتجاوز وضع الطفل عند أحد الأبوين إذا كان كلاهما غير أهل لذلك، ووضعه لدى جد، أو جدة، أو قريب أكثر أمانًا عليه يستطيع النهوض بهذه المهمة. ب- ربما كان هذا التطبيق يمثل أكبر مصدر قلق بالنسبة للمرأة لأنه يعطل حياتها التي تقدم إيقافها على أبنائها مخافة أن ينتزعوا منها متى تزوجت إلى أب تخشى منه عليهم، ما يفتح بابًا لفتنة كبيرة في الأرض وفسادٍ عريض. وبذلك تشعر المرأة في عقد الزواج لعنة تمكن الرجل عند الفراق من الاستمرار في حياته بتكوين أسرة جديدة، خاصة في ظل تربية خاصة في السعودية مبنية على ترفيه الذكور دون الإناث، بينما المرأة تقف حمايتها لأبنائها عائقًا أمام ممارسة حقها في الحياة كإنسان. وهذا يؤكد ضرورة وجود مثل تلك اللجان، ووضع آلية إجرائية لحماية حق المرأة المطلقة في الحياة. 3- يستطيع الرجل أن يتخلص من المرأة متى أحس أنها مصدر أذى له، وحتى لو لم تكن كذلك لمجرد رغبته في ذلك بمنتهى البساطة. بينما يعسر الأمر أمام المرأة، وتطول الفترة إلى ما لا يقل عن سنة، أو ثمانية أشهر، مع أن المرأة عندما جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- شاكية لم يأخذ الأمر من النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من التفاتة إلى زوجها وأمره بتطليقها. وبما أن القضاة لدينا ليسوا أنبياء فإن الأمر سيطول قليلًا للبحث والنظر، ولكن في كل الأحوال لا يستحق أن يتجاوز الشهر إلى الشهرين بالكثير. وليت أن الوزارة تصدر تأقيتًا للقضايا افتراضيًا مبني على أقصى فترة يمكن أن تحتملها بناءً على نوعها، خاصة تلك التي يتوقف عليها حياة جماعة وأفراد كالخلع، والحضانة، والنفقة، وتوزيع الميراث، وما يشبهها من قضايا يحصل بتطويلها ضياعًا للبشر. 4- تعمل المحاكم السعودية بقول الحنابلة في بترتيب الأولياء، والإصرار على أن تقوم المرأة بإحضار أوليائها حتى لو كانوا عاضلين، دون تفعيل حقيقي لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (السلطان ولي من لا ولي له). وأحيانًا يكون هناك إصرار على تقديم الإخوة على الابن في الولاية على الثيب، ويكون الابن أكثر تعاطفًا مع الأم في حين يمنعها الإخوة الذين من الأصل لا يمثلون سندًا لها في الحياة. فإذا كان كذلك يمكن تقديم الابن على الإخوة بناء على قول المالكية، وحين يكون الابن عاضلًا يقدم الإخوة، وحين يعضل الجميع يفعّل دور القاضي في العقد للمرأة؛ فتحًا لباب الحلال، وحماية للنساء من الوقوع في الحرام. وقد دفعني إلى قول ذلك حادثة حدثت أمامي في المحكمة، حيث جاءت إحدى النساء بابنها البالغ من العمر 18 سنة ليكون وليها في عقدها لأن إخوتها لا يدرون عنها ولا ينفقون عليها، وهي امرأة لا تعمل وقد تقدم لها من هو مستعد للإنفاق عليها وإعالة أبنائها. وقد هالني خروجها تصرخ بكل صوتها تقول: جئت طالبة للحلال، ولم تتركوا لي طريقًا غير الحرام. لا أستطيع نسيان صوتها، وغضبها رغم مرور ست سنوات على ذلك. ليت وزارة العدل تقف موقفًا حازمًا من الولاة الواقفين حجر عثرة أمام تزويج النساء، وأن تحقق تسامحًا في قضايا الكفاءة؛ حيث إن الزواج بغير الكفؤ نسبًا ما دام أنه صاحب دين وخلق وتعليم، خيرٌ من الوقوع في الحرام، ولا يعد عدم تحققها مادام قد تم العقد برضا المرأة ووليها المباشر للعقد سببًا لشتات عائلة لمجرد أن هناك من لا يريد ذلك. 5- وضع قانون إجرائي يعاقب على تزويج القاصرات لحمايتهن من العنف والاعتداء الجسدي، والنفسي. 6-عندما تلجأ المرأة إلى القضاء لأي أمر يطلب منها معرفًا، بينما لا يطلب من الرجل مع أن كلاهما يحمل بطاقة تعريفية، مما يعطل شؤون المرأة ومصالحها، وربما أوقع بها ضررًا، كضرورة إيقاف عمل وكيل، وهي لا تجد من هو متفرغ للذهاب معها للمحكمة لتعريفها مما يجعل وكيلها يستمر في التصرف لها بما يضرها ولا تملك إيقافه. وإذا كان الدافع لطلب المعرِّف هو غطاء المرأة لوجهها فإنه من المعلوم أن الشريعة تجيز للقاضي النظر إلى وجه المرأة متى دعت الحاجة، وهذا معروف حتى في المذهب الحنبلي. هذه رسالتي إلى وزارة العدل مبنية على خيارات شرعية قد تكون سببًا في رفع الكثير من معاناة المرأة السعودية. •أستاذ الفقه المساعد جامعة الملك عبدالعزيز