الناس أجناس مختلفة، وهمم متباينة، ولولا اختلاف الأنظار لبارت السلع. أناس مثل الغيث أينما حلّوا نفع الله بهم، وأناس مثل رياح الخماسين تجلب على الناس بخيلها ورجلها غبارًا في الآفاق، وضيقا في النفوس. والرجال أصناف: رجل يقود ولا يقاد، ورجل يقاد ولا يقود، ورجل لا يقود ولا يقاد، أينما توجّهه لا يأت بخير. والرجال منهم الصقر الذي مسكون بالأعالي، طموحه لا يحدّ، وهجمته لا ترد، ومنهم الجرادة التي تفسد ولا تصلح، نظرها يقف عند يدها، ويخلق الله ما يشاء ويختار. خلق الله للقتال رجالا ورجالا لقصعة وثريد والدكتور ناصر الزهراني إرادة لا تقهر، وهمّة لا تعرف الكلل، وعطاء خلّاق لا تزيده الأيام إلا ثراء. عرفته محبا للخير، غارقا في إنسانية الإنسان، مشغولًا بجلائل الأمور، وكنت أعتقد أن هذا الرجل موهبة ظلّت الطريق؛ لكثرة اهتماماته، وتدافع همومه. فهو أستاذ جامعي، وإمام مسجد، وداعية، ومقدم برامج، ومصلح اجتماعي، وشاعر، ومشرف مشاريع خيرية، ورجل علاقات من الطراز الأول. أدعى لأمسيات شعرية كثيرة، فتطلب مني قصائده. آخرها في تونس والقاهرة يطلبون بازية الدهر، ومآسي المعددين، ويتوعدني بعضهم المعددين أن ينتقم مني بمعارضة للقصيدة فأحيلهم على مليء، وأعلم أن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. عرفت الدكتور ناصر من زمن بعيد بحكم أننا أبناء قبيلة ومنطقة واحدة، ولمست فيه شخصية مختلفة، توّاقة، لا تعترف بالسكون، ولا تؤمن بأنصاف الحلول، وتعيش للآخرين أكثر من عيشها لذاتها. كان حين يسكن حيّا من أحياء مكة يحوّله إلى شعلة من العطاء، ويوقد فيه جذوة من البذل والألفة. أنشأ جامع الشيخ عبدالعزيز بن باز، وحظي لدى الشيخ رحمه الله بمكانة لم يبلغها إلا القليل من محبيه، وأقام برجا خيريا لسماحته، ومركزا علميا عالميا يضم مكتبة الشيخ، التي أصبحت قبلة للباحثين عن المعرفة. وأصبح مديرا تنفيذيا في لجنة إصلاح ذات البين بإمارة مكةالمكرمة، وأوجد مركز بر الوالدين، ومؤسسة روافد الخيرية، وموقع تسامح، واليوم يجعل كل هذه الإنجازات من التاريخ القديم حين يتبنى إنشاء مركز وموسوعة السلام عليك أيها النبي، والمتحف النبوي بمكةالمكرمة. وقد كنت قريبا من الرجل واطلعت على الفكرة، وعلى بعض أجزاء الموسوعة، وذهبت بي الأيام بعيدا، لأعود لزيارة المشروع وصاحبه ضمن وفد من وكلاء جامعة أم القرى ونخبة من عمداء كلياتها، لنقف على تحولات كبرى حدثت على مستوى الرؤية والأهداف وخطط التنفيذ، ما كانت لتحدث لولا الاستغراق في المعرفة، والشغف بالتضحية. إنها ثمرة خمس سنوات من السهر والمكابدة، والانقطاع للعطاء. إنها فتوحات مكيّة جديدة أقف في محرابها آمل أن أنجح في تقدير أبعادها، وإيجاز عوالمها.إنه إيجاز الإعجاز وتوجز في قارورة العطر روضةٌ وتوجز في كأس الرحيق كروم [email protected]