يبدو أن حالة الاستلاب التي امتدت إلى الكثير من مجالاتنا الحياتية قد طالت ايضا اهم تلك المجالات وأكثرها انفتاحاً وتجدداً وانتشاراً وهو المشهد الثقافي بكل مدخلاته ومخرجاته، هذا المشهد الذي يفترض أن يكون صاحب اليد الطولى في تحريك المشاهد الأخرى بمختلف اتجاهاتها، وهذا الأمر بالتأكيد يعد انتكاسة كبرى ومؤشراً خطيراً يوحي بحالة التداخل والفوضى التي نشهدها في مجالات كثيرة والتي يستوجب الالتفات لها وإعادة صياغة الكثير من أنظمتنا المؤسسية بما يضمن لها الحيوية والتسارع في مسايرة العالم من حولنا فكرياً واجتماعياً. ولعل حالة التجاذب التي نعيشها هذه الأيام بشأن قضية بعض البنود التي تضمنتها اللائحة الجديدة للأندية الادبية والمتعلقة بالعضوية العاملة بالنادي التي يحق لها الانضمام إلى عضوية الجمعيات العمومية والتي تم اجتزازها من قبل بعض إدارات الأندية وحصرها في فئة ضيقة من المثقفين وهم من يحمل تخصص اللغة العربية وآدابها أو من لديه انجاز “أدبي” وبعيداً عن الخوض في محتوى ذلك الشرط الذي اراه مجحفاً وفيه سلب بين للمفهوم الثقافي المتعارف عليه عالمياً وهو ان الثقافة “عملية تنمية للنواحي الفكرية والروحية والجمالية” انتهى التعريف ولكم المقارنة بين هذا التعريف الشمولي الدقيق في تصويره لمفهوم الثقافة وبين حالة الاجتزاز التي مارستها بعض إدارات أنديتنا وخاصة نادي جدة الأدبي والتي يستوجب ان تعيد النظر في ذلك الشرط الذي أراه سيدفع بدور تلك الاندية إلى المجهول الذي لا يخدم مشهدنا الثقافي برمته. ودعونا نترك ذلك الشرط الغريب ونعود بأنفسنا إلى منطلقات الثقافة الرسمية في بلادنا والتي تعد مرجعاً ثقافياً رسمياً وهي وزارة “الثقافة” والاعلام ولنا ان نوجد المقارنة بين هذا المسمى الشامل وبين مسمى الاندية الأدبية الذي يعد مجزوزاً على الجانب الأدبي فقط انطلاقا من مسماه فلماذا لا يكون مسماها منطلقاً من المسمى المرجعي لها فنقول الاندية الثقافية أو المراكز الثقافية مثلاً وعند هذه الحالة سيكون دور تلك الاندية شمولياً لكافة المناحي الثقافية الابداعية بمختلف صورها واتجاهاتها ولعل هذا الأمر ما نحتاجه فعلاً وما يستوجب ان يكون عليه الواقع المؤسسي للمرجعية. ثم دعونا ننتقل بالحديث إلى جانب آخر لا يقل اهمية عن سابقه وهو جانب الانتخابات التي لا تزال تحبو لدينا في ثقافتها واساليب تنفيذها حيث ينتظر من أنديتنا الموقرة والتي تعج بكبار المفكرين والمثقفين بمختلف مستوياتهم ان تضع بصمتها المؤثرة والبينة على تلك الانتخابات فتكون قدوة حسنة تستطيع الافادة منها في مجالات اخرى وحتى لا تلحق بتجربتنا الفاشلة فشلاً ذريعاً في المجالس البلدية والتي اصبحت تشكو حالة التمديد المستمر وقد يلحق بذلك التوريث ايضا!! ثم ان على أنديتنا الأدبية أو الثقافية التي اختلف مسماها بين نادٍ وآخر عليها ان تكون واضحة في ادخال المرأة كعنصر مشارك فعال في كافة المناشط الادارية والفعاليات المختلفة وألا يمارس باتجاهها حالة الجز ايضا وان يظهر ذلك بوضوح في صياغة بنود اللائحة بالاشارة الى كلمة “عضوة” وهذا أمر اراه في غاية الاهمية فالمرأة لدينا حازت على الكثير من الجوائز الثقافية التي يستوجب ان يكون لها المكان اللائق داخل تلك الاندية. ولعل آخر ما نختم به حديثنا هو ان نسمح لكافة المثقفين دون تحديد بالمشاركة في فعاليات الاندية وان نجعل فضاءاتها اكثر حرية ورحابة وغير قاصرة على العاملين فالملاحظ ان اغلب تلك الفعاليات والبرامج لا تخرج عن نطاق الفئة العاملة بالاندية ومن يجول في سماء فكرهم فقط وهذا الامر بالتأكيد سيفتح ابواب القبول وسيضاعف من اعداد المثقفين المتفاعلين لبرامج تلك الاندية كما ان على تلك الاندية ان تخرج عن نطاق قاعاتها الضيقة في مساحتها والمحدودة الحضور الى فضاءات اكثر رحابة من خلال المراكز الثقافية والاجتماعية العامة في اماكن اخرى والله تعالى من وراء القصد. www.Dr-muhammed.net [email protected]