تتسارع وتيرة العلاقات السعودية - الصينية فى النمو خلال السنوات القليلة الماضية بدافع من رغبة القيادة السعودية في تعاون أكبر مع الصينيين واستجابة بكين للرغبة السعودية.. وهناك مصالح متعددة تربط بكين بالرياض إلا أن أبرزها وأكثرها أهمية هي العلاقات الاقتصادية التي يسعى الجانبان إلى دعمها بشكل متواصل.. فالمملكة كغيرها من الدول تشاهد العملاق الصيني ينمو بشكل كبير، مما يجعله سوقًا مهمة للبترول السعودي ولناتج المملكة من البتروكيماويات، كما أن المنتجات المتنوعة للصين أخذت تغزو أسواق العالم بشكل كثيف بما في ذلك أسواق السعودية. وشهد العام الماضي، 2009م، ارتفاع صادرات البترول الخام السعودي للصين إلى ما يزيد على معدل مليون برميل يوميًا ويتواصل هذا النمو خلال العام الحالي (تضاعفت مشتريات الصين من البترول السعودي خلال ثلاث سنوات فقط) بينما تقلصت واردات أمريكا من الخام السعودي إلى أقل مما كانت عليه، كما دخلت المملكة إلى مجال تصنيع البتروكيماويات داخل الصين بإنشاء مشروعات مشتركة أبرزها مصفاة ضخمة كمشروع مشترك فيما بين البلدين تم افتتاحها مؤخرًا إلى جانب مشروعات أخرى يتباحث حولها الجانبان. السياسة السعودية أخذت تتجه شرقًا ليس رغبة في قطع صلاتها الاقتصادية بالغرب وإنما بحثًا عن أسواق مستقرة ونامية للبترول والمنتجات البترولية السعودية، بعد أن أصبحت الدول الغربية، وبخاصة أمريكا، تكرر الحديث عن أهمية تقليص وارداتها البترولية بشكل عام وتفرض إجراءات متعددة ضد المنتجات البتروكيماوية من خارج الحدود، بينما السوق الصينية تنمو وترحب بما تصدره المملكة إليها.. وليس من المتوقع أن تتأثر العلاقات مع أمريكا ودول الغرب بشكل كبير ولكن المصالح السعودية تجد لها منافع أكبر في آسيا وعلى رأسها الصين بينما أخذ الأمريكيون يتحدثون مؤخرًا عن نقل التعاون فيما بينهم ودول الشرق الأوسط إلى مجالات التكنولوجيا والأبحاث، مما سيؤدي إلى مواصلة التعاون الاقتصادي فيما بين دول المنطقة وأمريكا، وإن كان مداه غير واضح في الوقت الحاضر، وبخاصة أن العائق السياسي أمام التعاون العربي - الأمريكي بشكل عام المتمثل في القضية الفلسطينية قائم. الصديق الدكتور وديع كابلي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز، كتب يقول بعد زيارته للمعرض الدولي في شنغهاي (إكسبو 2010) والذي استمر لستة شهور وانتهى في نهاية شهر أكتوبر الماضي: إن عدد الزوار الصينيين الذين زاروا جناح المملكة في المعرض كان حوالى سبعة ملايين زائر.. وهو رقم كبير يشير إلى اهتمام المواطن الصيني بمعرفة المزيد عن المملكة العربية السعودية.. وتقول مجلة (نيوزويك) الأمريكية: إن عدد الذين زاروا المعرض كانوا ثلاثة وسبعين مليون صيني بزيادة تسعة ملايين زائر عن الرقم القياسي السابق الذي سجلته أوساكا اليابانية عندما أقيم المعرض فيها عام 1970م. الشركات الصينية أخذت تخرج إلى ما وراء الحدود بحثًا عن فرص استثمارية في مختلف أنحاء العالم، وسيجد رجال الأعمال السعوديون فرصة للتعاون مع الصينيين الذين أخذوا ينطلقون خارج حدودهم.. وتشجع الحكومة الصينية شركاتها على الاستثمار في أي مصنع تتم إقامته في أسواق رئيسية بتوفير ثلاثين بالمائة من قيمة الاستثمار المطلوب.. ومن أوائل المستفيدين من الانفتاح الصيني كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية التي أخذت ترسل ممثلين لها إلى مختلف أنحاء الصين لإغراء الصناعيين الصينيين بحوافز كثيرة حتى يقوموا بإنشاء مشروعاتهم في أمريكا. وبالفعل دخلت مئات الشركات الصينية السوق الأمريكية وأقامت صناعات فيها واكتشف الصينيون أن تكلفة إنشاء وإدارة المصانع في امريكا أقل مما هي عليه في بعض المناطق الصينية المهمة (بأخذ الحوافز بالحسبان) ما عدا تكلفة العمالة والتي يبدو أن الفارق بين ما يتلقاه العامل الصيني ومثيله الأمريكي، أخذ في التقلص بعد أن أصبحت الأجور التي يتلقاها العامل الصيني ترتفع. ومن الأمثلة، التي على رجال الأعمال السعوديين والجهات الرسمية لدينا أخذها في الاعتبار عند النظر في الاستفادة من الانفتاح الصيني على اقامة مشروعات في الخارج، ما نشرته مجلة (فورتشون) الأمريكية في شهر مايو الماضي من أن احدى الشركات الصينية اشترت ستة فدادين ونصف في ولاية كارولاينا الجنوبية لإقامة معامل فيها بربع القيمة التي يمكن شراء مثل هذه المساحة في شنغهاي أو دونج جوان وهي مدينة قريبة من هونج كونج، كما أن سعر الكهرباء الذي تستهلكه كان بحوالى ثلث سعره في الصين. العملاق الصيني يتوسع داخليًا وخارجيًا ويمكن للأذكياء من رجال الأعمال السعوديين أن يسعوا للاستفادة من هذا التوسع، أكان عبر مشروعات مشتركة داخل الصين أو في المملكة، وفي كل الأحوال فإن تشجيع الدولة بحوافز للمستثمرين السعوديين خارج الحدود هي بمثل أهمية الحوافز المتوفرة للاستثمار داخل المملكة.. فالعائد يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني حيثما كان الاستثمار، وعلى الأنظمة أن تتولى تقنين ذلك. ص.ب 2048 جدة 21451 [email protected]