هنيئًا يا قطر، كل العيون ذرفت، وكل القلوب استبشرت، وكل الأيادي صفقت، وكل الحناجر رددت: (مبروك يا قطر .. مبروك). نعم تحقق الحلم وأصبح حقيقة. وهنيئًا للعالم العربي والإسلامي بشرف استضافة قطر لنهائيات كأس العالم 2022 م، وكسبها التحدي، وتحقيق طموحها الذي عملت عليه بكل جد واجتهاد، حمل في طياته الإصرار والعزيمة، وتغلبها على العديد من المعوقات والصعاب. فهذه المحاولة التي قامت بها دولة قطر تعتبر من المحاولات الجريئة جدًّا، وتحسب لها على مر الزمن، حيث حملت على عاتقها ملف الاستضافة للمحاولة في رتق ثوب الشرق الأوسطية، ولوحدة الصف العربي.. فما أن أعلن عن فوز قطر بحلم استضافة نهائيات كأس العالم 2022م حتى عمّ الفرح والسرور أرجاء الوطن العربي والإسلامي، وانهالت التبريكات والتهاني من ملوك، وأمراء، ورؤساء، وعامة الشعوب، ووسائل الإعلام المختلفة، حيث مدّوا أيديهم للوقوف مع هذا الحلم الذي طالما انتظروه.. نعم تحقق بعزيمة وإصرار الرجال، وكان آخرها قادة مجلس التعاون في مؤتمرهم في أبو ظبي، الذين هنأوا أمير قطر وأعلنوا الوقوف والمساندة، ووضع الإمكانات الخليجية تحت تصرفهم، وكان لرسالة خادم الحرمين الشريفين للأمير (نشارككم فرحتكم بالانتصار الكبير الذي يعد إنجازًا لمنطقة الخليج والعالم العربي)، كان له أكبر الأثر في نفوس قادة الخليج. فالمنافسة لم تكن سهلة، بل على العكس كانت صعبة للغاية، لأن الملف القطري ينافسه ملفات من بلدان عريقة وهي (اليابان - وكوريا الجنوبية - والمكسيك - والولاياتالمتحدةالأمريكية - وإنجلترا - وهولندا - وبلجيكا - وإسبانيا - والبرتغال)، حيث إن معظم هذه الدول الكبرى كرويًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا وصناعيًّا وتكنولوجيًّا، إلاّ أن قطر الصغيرة بحجمها، والكبيرة بطموحها، وإرادتها، وبكل جدارة كسبت التحدي الكبير، وقالت كلمتها بعزيمة الرجال تتحقق الأهداف والآمال الآسيوية. نعم كانت هناك أسباب كثيرة في الوصول لتحقيق هذا الحلم، من أهمها أنه كان يقف خلف الملف القطري أميرها الحكيم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وحكومته، وأبناؤه والذي وضع ثقله السياسي، وإمكاناته، وحمل راية قطر والعالم العربي والإسلامي والآسيوي أمام هذا التحدي العالمي، وزوجته الشيخة موزة بنت ناصر المسند الأم الصبور التي قبلت التحدي، وأرضعت أبناءها الإرادة والإصرار والعزيمة، وحملت معها هموم وطموح شباب قطر، وأبناء الخليج والأمة العربية والإسلامية، وقدمت نموذجًا رائعًا في عرضها أمام لجنة الفيفا من مختلف دول العالم لتطرح تساؤلها القنبلة متى؟ متى؟ متى؟ ليكون الجواب حاضرًا من الجميع، اقتناعًا بما تحمله هذه السيدة المثقفة من مصداقية وعزيمة. وكذلك القدرة الاقتصادية لهذه الدولة الصغيرة الغنية بالغاز والنفط؛ ممّا جعلها من أكبر خمسة أنظمة اقتصادية متزايدة النمو في العالم. وأيضًا لتراكم الخبرات بعد تنظيم العديد من الدورات الرياضية في العقدين الماضيين، وإيجاد الحلول لجميع المعضلات من عامل الطقس، وصغر المساحة، والتخطيط المستقبلي المدروس الذي تبنته قطر في سبيل استضافة وإنجاح هذه النهائيات، وذلك بعملها على هذا الملف قبل عشرين سنة مضت من الآن. تستاهلين يا قطر هذا التنظيم، فملفك المتنوع بلغاته الثلاث الإنجليزية والفرنسية والإسبانية أبهر الجميع، وأوقف الحضور احترامًا وتقديرًا لكِ، لما تضمنه من عناصر شملت جميع التفاصيل من ناحية المواصلات، والبنية التحتية، واستخدام التقنيات الفنية الحديثة لتبريد الملاعب المزودة بأحدث أساليب التكنولوجيا المتطورة التي تجعل نسبة الانبعاث الكربوني صفرًا، وكذلك لقرب المسافات بين الملاعب التي لا تبتعد عن بعضها البعض سوى ساعة واحدة، وهذا ما يسهل تنقل الجماهير التي ستحضر النهائيات، نعم صوت قطر إلى العالم، والذي كسب إعلامًا عالميًّا لهذا الحدث والذي يعتبر بصمة في جبين التاريخ رياضيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، والذي سيكون نقلة لقطر والدول المجاورة، وامتداد الثقافات، وفرصة لعرض ثقافتنا وقيمنا الإسلامية. وهنا أود أن أقول للرئيس الأمريكي أوباما: إذا وقعت يا فصيح لا تصيح.. وطارت الطيور بأرزاقها، وذلك للرد على الرئيس الأمريكي عندما ذكر أن اختيار قطر بدلاً من أمريكا من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم لاستضافة مونديال 2022م كان قرارًا سيئًا.. وذلك لأنه فشلت الولاياتالمتحدةالأمريكية أثناء فترة ولايته في الترشح لاستضافة الألعاب الأولمبية في شيكاغو 2016م، ونهائيات كأس العالم 2022م.. ولكن الحق هو المنتصر دائمًا.. لنقف قليلاً ونستعرض الكفاح والإصرار، ونتمعن بهذا العمل والإنجاز العالمي، ونكتسب دروسًا ومواعظ في مواجهة التحديات وكيفية تحقيق الأهداف بالعمل والإصرار والطموح وعدم الخوف واليأس من المنافسة، والإصرار حتى الرمق الأخير.. هذا الإنجاز حمل في طياته الكثير.. الكثير.. والكثير من العبر والدروس، وأملي كل الأمل أن نستفيد ونحقق الطموح. هنيئًا لقطر، وشعب قطر هذا الإنجاز، لقد أعطت درسًا بأن الذكاء الوجداني الإعلامي، والتجهيز الهندسي التحتي، والطموح الكبير، والإصرار والتقنية، وفن الأسلوب والمواجهة والإقناع جعل قطر تحسم شوط المباراة الأول بجدارة واقتدار، وتبقى لها أن تنجح في إنهاء المباراة من خلال إخراج كأس العالم بأبهى حلة، وهي تردد بكل ثقة أمام دول العالم نحن قطر.. ونحن الخليج.. ونحن العرب.. قادرة هي -بإذن الله تعالى- على ذلك، والله ولي التوفيق.