هذا هو السؤال القديم المتجدد دائمًا عن النهضة الإسلامية، فنحن من الناحية الدينية لا نشكو من نقص فلدينا مخزون علمي وكوادر قادرة على التأصيل، ولكننا من الناحية الدنيوية نحتاج لتطور كبير، حيث إننا ما زلنا عالة على غيرنا في شؤون حياتنا، ولو تلفتنا يمنة ويسرة لوجدنا غالب ما نعيش فيه وبه وعليه هو من صنع غيرنا، بدءًا من غذائنا ودوائنا ومرورًا بملابسنا ومراكبنا وليس انتهاء بأسلحتنا التي نحمي فيها ضروراتنا الخمس. وهنا بكل تأكيد لا يتحمل ديننا المسؤولية، فديننا كامل وشريعتنا سماوية صالحة لكل زمان ومكان وبها تصلح الدنيا، ولكننا نحن الذين نتحمل كثرة تقصيرنا وسوء تقديرنا، ولذا فيجب أن نبادر بما يحسن حالنا عبر استراتيجيات شاملة، وإذا عجزنا أو تكاسلنا وتواكلنا فلا أقل بألا نضع العصي في الدواليب، ونقف مع برامج المسارعين بالخيرات، ولو كانت تخالف اجتهادات بعضنا. وكثيرًا ما أتأمل في المقومات والمعوقات، وأجدني مُسلِّمًا لمن يدعي بأن كل الأسس موجودة، حيث المال والكوادر وجميع أضلاع العملية التنموية، لكن المعوقات ليست مستوردة كما يتوهم البعض، بل مشكلتنا في أنفسنا، فكم رأينا المبادرين على قلتهم وندرتهم وقد وضعنا العصي في دواليبهم وأسأنا الظن بهم، وهكذا نجمع بين النقيضين، فمن جهة نذكر تركيا وماليزيا كنموذجين إسلاميين للتقدم، وفي نفس الوقت نقف ضد الوسائل التي بلغا بواسطتها تحصيل تلك النجاحات، مع أننا نجد في مراجعنا النظرية الحلول لمثل تلك العوائق، ولكن ما أن يتم تفعيلها حتى نفاجأ ببعض من رجونا منهم إحياء الأمة إذ بهم يعيقونها. ومما لا شك فيه أننا لا نحسن أحيانًا حتى التنظير، وإذا أحسنه بعضنا فلا نحسن معه التطبيق، وكلما رأينا خطوات حكومية لمعالجة بعض مشكلاتنا إذ بنا نسعى في إعاقتها، فنحن نشكو واقعنا، وفي الوقت نفسه نشكو من يسعى في حله، وبهذا نستمر في المزيد من الغرق والتخلف. وكل فرد منا يَفرق الخير من الشر، ولا مزيد علم أو عقل أو دهاء لمن أدرك ذلك، ولكن يقل فينا من يفرق بين خير الخيرين وشر الشرين، وكيف يسابق في اقتناص الأَخْير لمصلحة الجميع، ويسارع لتلافي الأَشَر ولو وقع في الشر، وهنا تظهر الحكمة التي هي ضالة المؤمن. وكثيرًا ما نتدارس في مجالسنا الخاصة النعي على الواقع ونقد الوقائع، ثم لا نستطيع نقل عصفنا الذهني وتوافقاتنا الفكرية إلى ميدان العمل، وبدلًا من أن نخرج الناس من التخلف والحاجة والفقر والبطالة، إذ بنا نضيف عليها المشروعية بتلك التصرفات الارتجالية التي لا يغفر لها حسن نيات أصحابها وإنما العبرة بالنتائج. وحينما نراجع أيامنا ونتأمل فيها، فضلًا عن دراسة ماضينا وأين أخفقنا لئلا نلدغ وأين أصبنا لئلا نتأخر، فلا نجد من يقرأ لنا هذا وذاك، ولا نرى أي مشروع تقدمي لصالح المجتمع إلا ويمر بعقبات من فئات كان من الواجب الإعانة منها، وكأن مصيرنا أنه لا بد من أن نعيش دائمًا عالة على من يقهرنا لمصلحتنا، ولا نمل ولا نكل من أخطائنا حينما أضعنا تلك السنين والعقود بلا تنمية تذكر. وفي بلادنا نجد المعادلة مقلوبة فالسياسي هو المبادر والحركي هو المعوق، في حين نجد في ماليزيا وتركيا مثلًا أن الحركة الإسلامية هي المبادرة أو على الأقل المتزامنة مع السلطة في التقدم التنموي، وبدلًا من أن نجتهد في فقهنا لفتح البوابات للمصلحة العامة، إذ بنا نجهد أنفسنا لإغلاقها بأشد الأقفال، ثم نأتي نشكو ونصيح بأن الواقع لا يسر وفي نفس الوقت نردد شعاراتنا النظرية "الشريعة صالحة لكل زمان ومكان"! ولست بحاجة إلى ذكر كل النماذج التي أصابت المبادرين بالخيبة واليأس بدلًا من التحفيز والأمل، سواء في شؤوننا الدينية كتوسعة المسعى، أو في شؤوننا الدنيوية كجامعة كاوست، ولا نجد من المفكرين من يقرأ سيرتنا لينقدها ويعيننا على أنفسنا، مما يجعلنا نقع في الخطأ كل مرة من جديد ومن نفس الجحر! ولا أبالغ إذا قلت إنه أصبح الكثير من المتابعين اليوم للتيار الإسلامي السعودي لا يجدون فيه أي مشروع مبادر لأي مصلحة شعبية، في حين يجدون لديه الوفرة في مشروعات الممانعات والمعارضات والمقاومات لمشروعات الآخرين سواء رسمية أو شعبية، وكما أن فيه ظلمًا للناس فهو قبل ذلك ظلم للمرجعية الدينية التي يدعون الانطلاق منها، وكذلك سوف تضعف قيمتهم وتقل سهامهم وينعدم تأثيرهم ما داموا كذلك. [email protected]