أعتذر قبل البدء عن قوة كتابية كنت أتمناها بين السطور، فعلمت أني لست إلا رجلا قد خلا زمناً طال وقصر مع الصحف والمنتديات وأكثر من وسيلة إعلامية، حتى رق الأسلوب بل ركّ الأسلوب. لست زاعماً أني بالعنوان قد فتحت مظلة لا يدرى أولها من آخرها، حتى أظلت كل منتدى وما أضلت أي منتدى، بل إني أقصر اليد عن بلوغ مثل هذا التعميم، كما إني أقصر الفكر عن مثل هذا الطريق. وأخالني عندما أبعث في المقال روحاً من روحي تدعو إلى فضيلة اللغة العربية الفصحى وأهمية الكيان اللغوي في الحفاظ على التكتل المعرفي والمنظومة الفكرية والإفرازات العلمية وغيرها، أخالني في بعثي هذا إنما أوقظ وسنانا أو أنبه ذاهلا، أما أن أعلم جاهلاً بقيمة اللغة في صناعة الإنسان والأمة وتكوين شخصيتها، فهذا يحتاج لغير هذا المقام. فإذا كنت أيها القارئ تؤمن كامل الإيمان بهذا الركن العظيم في كيان الأمم الشريفة الحية، فإني أسألك عن واقع تراه في لغة التقنية المعاصرة، من رسائل الجوال والبريد الالكتروني وبرامج المحادثة والمنتديات خاصة، هل تلك اللغة الحاضرة هي اللغة المتحضرة؟! هل الأسلوب الحاسوبي يجيز الخروج على أنظمة اللغة حتى نعدها (ضرورة كمبيوترية)؟! وهل إيقاع الزمن السريع دفعنا إلى الكتابة السريعة التي يطاردها قانون اللغة فلا يكاد يظفر إلا بغبارها؟! لقد جاءت الحروف والألفاظ السريعة والمعاني السطحية في كثير من صفحات عالمنا الآخر، لتدل على التفكير السريع لا المتأني، وتدل على سطحية المعاني لا العميقة التي تنغرس في النفس غرساً، وجاء الكل على هذه التشكيلة من السرعة والعجلة والندامة. ولست هنا أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، ولست أدعو إلى مقاطعة تامة للسهولة في اللفظ والمعنى، خاصة أن التقنية بضرائبها التي أقلقت النفوس تدعو إلى مثل تلك العبارات فهي جالبة للاستئناس وطاردة للسآمة والملل، داعية إلى التغيير وإشعار الآخرين بأننا نعيش على كوكب الأرض، ولكن ليكن ذلك في نطاق محدود زماناً ومكاناً، حتى لا ننسى لغتنا العريقة التي تشكل جزءاً من شخصيتنا (اللغة العربية الفصحى). محمد فايع عسيري - جدة