هالني في التقارير المؤلمة الأخيرة عن الإرهاب في مجتمعنا أمران: أولهما الفئة المستهدفة وهم الشباب الذي نأمل أن يكونوا شعلة الأمة المضيئة في مسيرة الحضارة والارتقاء، فإذا بهم يتحولون إلى وقود حارق يتجه إلى التدمير لا البناء المنشود. وفي مجتمع تبلغ القوى الشابة فيه أكثر من النصف يصبح من الطبيعي أن يكونوا القوة المستهدفة لما يتمتع به الشباب من حيوية واندفاع، ولذلك يصبحون هم الأكثر قابلية للاستقطاب وغسل الأدمغة، وتحويلها من فاعل إلى مفعول به بتعطيل العقل وتشتيته وتحويل الفرد إلى أداة للتدمير تخدم الأهداف المريضة التي تُعطل مسيرة الأمة والمجتمع. وإن كان هناك شك واضح في تلازمية الشباب والتطرف في السابق إلا أن ما حدث في السابق والتقارير الحالية يؤكد أن العلاقة أضحت أكثر وضوحًا وتلازمية عما قبل، بل تكاد تكون محددة وموجهة سلفًا، الأمر الذي يدعونا إلى البحث عن الأسباب، وهو مبحث كبير لا نستطيع الإلمام بكل جوانبه في مقال أو اثنان، ولكن لنضع أيدينا على أهم نقاطه على الأقل. إن طبيعة الشباب وخصائص شخصياتهم العمرية تجعلهم الأكثر استهدافًا من غيرهم لامتيازهم بالنشاط والحيوية والطاقة، التي تتحول بفعل التغذية الفكرية الموجهة والمستمرة من فاعلة إلى هدامة. فالشباب متحمسون يميلون إلى سرعة الانفعال والتأثر بالأفكار البراقة والطوباوية لما يتمتعون به من نشد للمثالية تجعلهم يقعون فريسة سهلة للمنظرين والمبشرين بصكوك الجنة من كل الجهات فيظنون أنهم المخلصين وعلى أيديهم ستبنى المجتمعات المثالية التي لا وجود لها في الواقع بل في خارطة العقول المريضة التي تخطط لذلك فيتحولوا على أيديهم إلى قنابل موقوتة تهدد أمن المجتمعات وأمانها الذي يحرص عليه الإسلام الذي يعتقدون أنهم حماته الأوائل فإذا بهم أكثر الناس تشويهًا لمبادئه السمحاء، وهو الدين النبيل الذي يدعو للوسطية والاعتدال ونبذ التشدد، متناسين أن الدعوة الإسلامية قائمة على الاعتدال والرحمة واللين (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، وأن الهلاك مصير المتنطعين في كل زمان ومكان. كما يميل الشباب إلى التمرد والتحدي والمجابهة مما يجعلهم غير قادرين على قياس المخاطر وتقدير العواقب في ظل غياب أو تشتت أو عدم وضوح الصوت المعتدل في تغذيتهم الفكرية، مما يسهل تمسكهم بأحادية الفكر المتشدد المغذي الأساسي لأفعالهم، لهذا كله وغيره من الأسباب المتداخلة كانوا هم أداة الإرهاب المنفذة وصوته الأعلى. وللأسباب ذاتها يجب أن يغير المجتمع من طرق وأساليب تربيتهم وتعليمهم وإعدادهم واستقطابهم وخلق أرضيات جديدة في التعامل معهم فعلًا وفكرًا، وذلك بتحويل طاقاتهم وحيويتهم الكامنة إلى إنجازات وممارسات مثمرة، تكون بديلًا للمغامرات الفكرية والاجتماعية التي تؤدي بهم إلى الارتماء في أحضان التطرف البغيض الهادم، وهي مسؤولية مجتمع بأكمله من القادة والمفكرين والمخططين التربويين والاجتماعيين والنفسيين والآباء والأمهات، فقد أضحت تلك المهمة في ظل الظروف الحالية مهمة وحيوية في تحقيق الأمان الاجتماعي والفكري الذي نسعى جميعًا بلهفة إليه فليس أقسى على المرء أن يخرج من بيته إرهابي أو متطرف، أما وسائل تحقيق ذلك، فذاك حديث آخر أعاوده. [email protected]