الذي يلج إلى دهاليز الإعلام بوسائله المختلفة فإن عليه أن يتحمل ما يواجهه من متاعب وتحمير للعين، ولا نقصد بذلك الانتقادات من المتلقين سواء كانوا مواطنين أو مسؤولين فهذه ضرورية ومطلوبة للحصول على تغذية راجعة ((Feedback)) سواء بالسلب أو الإيجاب من أجل تحسين أدائنا الإعلامي في أي وسيلة إعلامية مرئية كانت أم مقروءة أم مسموعة أو غيرها من وسائل الاتصال. فنحن قبلنا هذا الدور الإعلامي وولجنا للإعلام من أبوابه الواسعة ووسائله المتعددة، ووضعنا في اعتبارنا وفي أدمغتنا أنه كما يقال: إن “الإعلام هو مهنة المتاعب”، وبالتالي علينا أن نتحمل ذلك الدور أو الانسحاب. ولكن المصيبة عندما تواجه عقبات وصعوبات بل إهانات من قبل البعض من المسؤولين الذين وضعوا من أجل خدمة المجتمع وتقويم المعوج ومن قبل كذلك البعض من المسؤولين عن تلك الوسائل الإعلامية المختلفة آنفة الذكر إما لعدم فهمهم لأهداف الوسيلة الإعلامية التي يديرونها، أو أنه متخذ تلك الوسيلة الإعلامية من أجل البحث عن المناصب أو البقاء فيها ضاربًا بعرض الحائط هموم ومشكلات وقضايا المجتمع وهنا المصيبة أعظم. المساهمة والمشاركة في الإعلام بوسائطه المتعددة على الرغم من أنه أمر مشاع للجميع، وحق من حقوق المواطن للمشاركة بالفكرة أو وجهة النظر أو الرأي أو النقد البناء الذي يُقوّم المعوج وينفع المجتمع، إلا أن الخروج في وسائلنا الإعلامية ليست بالبساطة التي يتصورها أي شخص كان، وبذلك فإن المؤتمنين على وسائلنا الإعلامية ليس فحسب عليهم تفهم ذلك وتقديره، بل حماية من يشارك في وسائلنا الإعلامية. ولو أخذنا مثلًا القنوات الفضائية، فإنك تجد البعض ممن يتفهم ويقدر من يشارك مشاركة بناءة ويحمي عندما تكون هناك أخطاء غير مقصودة وبحسن نية وليس بسوء نية، أما البعض الآخر فإنه ينظر إلى المشارك أو الضيف عكس ذلك وأنه فقط من أجل تعبئة فراغ وبرامج وعندما يخطئ بحسن نية فإنه أول من يتخلى عنه بل يحمل فشله وإخفاقه على ضيف خرج بتوجيه من قبله “بأن حدك السماء”. الشيء الآخر أنك كمشارك لا تجد معايير معينة تتماشى معها وفي الوقت ذاته لا تجد من يوجهك للأمور التي تخدم مصالح المجتمع العليا بل إن البعض من المسؤولين في أي وسيلة إعلامية يقولون لك: إن “حدك السماء” (sky the limit) أي خذ راحتك وأدلي بدلوك وعندما يخطئ الضيف أو المشارك أو حتى المعد أو المقدم “بحسن نية” يصبح مثل “الجمل إذا طاح كثرت سكاكينه”، ويكون ذلك المسؤول عن تلك الوسيلة الإعلامية أول من يتخلى عنه، بل إنه لا يتردد في تشويه سمعته، ويستخدمه ككبش فداء لتغطية أخطائه وقلة حيلته، وعدم وجود الشجاعة الكافية لديه لحماية المشارك، هذه هي الحقيقة. علما بأنها، من وجهة نظري، لا تحتاج إلى معايير معينة، فالبعض من المشاركين يدركها ويفهمها، ولديه رقيب ذاتي متمثل بانتمائه وإخلاصه الوطني وحفاظه على تماسك الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية، والبعض الآخر لا يدرك أنه في أي مجتمع في العالم وحتى في أمريكا أن الإعلام فيها هو إعلام موجه، أي أن أي وسيلة إعلامية وضعت في الأساس لتنفيذ سياسات ومصالح المجتمع العليا وألا تتلفظ بأمور ترى أنها تتناقض مع تلك السياسات والمصالح والتوجهات أو تستنقص من حق مجتمعك أو تسيء له بأي صفة كانت. فليس من المنطق أن تخرج في وسائل إعلامية وضعها المجتمع لخدمته ثم تقوم من خلالها بالإساءة والتهجم على مجتمعك ورموزه ومعتقداته وتحرض على الفتنة والخروج على النظام العام بدلًا من الدفاع عن مجتمعك بل تستميت في ذلك الدفاع لأن “وطني وإن جار عليَّ عزيز”. إضافة إلى ذلك، وهو أمر على جانب كبير من الأهمية هو ألا يستغل الشخص تلك المنابر الإعلامية من أجل تحقيق مصالح ومكاسب شخصية ومن أجل البروز والشهرة أو غيرها من المصالح والمنافع الأخرى الضيقة. كما أن الشخص عليه عدم استغلال خروجه في أي وسيلة إعلامية بالتهجم والتجريح الشخصي وتصفية الحسابات وأخذ الموضوع بشكل شخصي من أجل غاية في نفسه، فهنا سوف يسقط سقوطًا ذريعًا وسوف يتلاشى وحتى لو كانت وجهة نظره أو رأيه أو نقده وجيهًا لأن التجريح الشخصي ينم عن منقصه ويفقد الشخص فيه مصداقيته. إلى جانب ذلك الإعداد الجيد وتحري الدقة في المعلومة والأرقام والإحصائيات والتوثيق وعدم الالتفات لما يقوله الناس أو تتناقلها الشائعات وبالتالي الانجراف خلفها لأن هذا سوف يضع الشخص في متاهات ومواقف ومطبات هو في غنى عنها ومن الصعب التخلص منها. أمر آخر مهم أيضًا هو عدم اللجوء إلى “الواسطة” في الولوج إلى وسائل الإعلام المختلفة، لأن واسطتك هي مصداقيتك ومحتوى ما تطرحه من رؤى ووجهات نظر وجيهة ونقد بناء، فالمسؤولون عن الإعلام بوسائله المتعددة لا يريدون أن تكون أي وسيلة إعلامية يديرونها منبرًا “للسفسطة”، (والسفسطائي هو الذي يدعي العلم والمعرفة وهو لا يعرف)، وكذلك الغث من الكلام الذي لا يحوي معنى ولا فكرًا ولا نقدًا بناءً لأنهم بكل بساطة يريدون أن يحافظوا على سمعة وسائل الإعلام المؤتمنين عليها من قبل المجتمع حتى تكتسب مكانة وشهرة وتكون لها مصداقية في طرح الموضوعات، وأنها لا تصادر على “المتلقي” حقوقه في موضوعات يريدها المتلقي، لأن المتلقي هو الزبون المستمر لتلك الوسائل الإعلامية، ومتى ما وجد كلامًا غثًا وتهجمًا وتجريحًا على خلق الله لا يهدف المصلحة العامة، فإن المتلقي يذهب إلى وسائل إعلامية أخرى لكي يجد مبتغاه ويصرف النظر عن تلك الوسيلة أو تلك الوسائل الإعلامية. وكلما اكتسبت الوسيلة الإعلامية مصداقية من خلال استقطابها لأصحاب الفكر والرأي والمثقفين من أجل مناقشة هموم وقضايا ومطالب ومشكلات المجتمع، ومحاولة طرح آراء ووجهات نظر من أجل معالجتها بأسلوب هادئ علمي بعيدًا عن التشنج، والتطاول على الآخرين، وغيرها من الأمور الأخرى، كلما زاد محبوها وعشاقها من المتلقين لها وانعكس ذلك على زيادة الإعلانات التجارية فيها مما يؤدي إلى تهافت أصحاب البضائع للتعريف بسلعهم بتلك الوسائل الإعلامية المتمكنة والتي لها مصداقية وجيش من المتابعين. فمن يشارك في وسائلنا الإعلامية عليه أن يكون مخلصًا ونزيهًا ومنصفًا بعيدًا عن الحزازات والانحيازات الشخصية وغيرها من العقد النفسية التي تعمي أي شخص يحاول أن يكون له أطروحات متميزة يلعب دورًا إيجابيًا في خدمة المجتمع. وفي المقابل فإن المسؤولين عليهم أن يتفهموا أن من يخرج في وسائلنا الإعلامية المختلفة ليس له أطماع بكراسيهم أو زحزحتهم عنها بل إن عليهم ضغوطًا من المجتمع تتمثل بأن يكونوا خير وسطاء بين المواطنين وهمومهم ومشكلاتهم وقضاياهم واحتياجاتهم ومطالبهم وبين مسؤولين تنفيذيين وُضعوا لخدمة المواطنين والوطن وليس لخدمة كراسيهم ومصالحهم الشخصية الضيقة. ويخطئ من يقول إن أي مؤسسة أو مصلحة تخدم المجتمع فاتحة أعينها على كل صغيرة وكبيرة في المنشأة، بل إن هناك قصورًا وعندما نتحدث عن تلك القصور فمن المفترض أن نجد ليس فحسب أذنًا صاغية بل ردًا إيجابيًا يرتقي لما تصبو إليه المصلحة العليا للمجتمع، ولكن مرة أخرى يبقى الإعلام فقرًا وغلدمة ووجع رأس لا قبله ولا بعده. [email protected]