لا ينكر أحد دور المرأة المسلمة في الحياة، معلمة ومربية وقائدة في قطاعات مهمة، فهي نصف المجتمع إن لم تكن أكثر، إذا أخذنا في الاعتبار زيادة المواليد من البنات عن البنين، ولذلك فإن صناعة المرأة القيادية من الأمور المهمة للنهوض بالمجتمعات المسلمة، بشرط أن يكون ذلك وفق القيادة الشرعية، وجاء تعيين وكيلة وزير التربية والتعليم نورة الفايز ليلقي بظلاله على ضرورة النظر إلى دور المرأة القيادي. وفي هذا الحوار مع الدكتور سعد بن مطر العتيبي أستاذ السياسة الشرعية، يحدد الضوابط الشرعية لدور المرأة القيادي، والمجالات التي تكون فيها أكثر فائدة، وكيفية صنع القيادات النسائية. ويطالب العتيبي بتعيين وكيلة لوزير الصحة تختص بشؤون الطبيبات والممرضات والفنيات والإداريات في هذه الوزارة المهمة، وفيما يلي نص الحوار: بداية، كيف ترون دور المرأة في تولي المناصب القيادية من المنظور الشرعي؟ المراد من حكم توظيف المرأة وتوليتها أو توليها للإدارات العامة الفرعية الخاصة ببنات جنسها، كأن تكون مديرة جامعة نسائية أو مديرة مركز إشراف نسائي أو مديرة مدرسة بنات، أو رئيسة قسم نسائي، ونحو ذلك؛ وهي فرعية بالنسبة للولاية الشاملة لها، وهي ولاية وزير التربية والتعليم مثلا أو ولاية رئيس المؤسسة الخيرية التي تشمل الولاية على كل العاملين ذكورًا وإناثًا. وهذا النوع من الولاية لا يعد من كمال الولايات أو ما يعبر عنه أحيانا بالولايات السيادية التي لا يصلح لها إلا الكامل من الرّجال، كالإمامة العامة والقضاء؛ فهي دون ذلك. ثلاث حالات نريد بيان التأصيل الشرعي للمسألة؟ تولي المرأة وتوليتها للإدارات العامة لا يخلو من ثلاثة أحوال: الأولى: ولاية المرأة على غير جنسها، كأن تكون مديرة على جمع من الرجال. وهي غير جائزة؛ لعموم الأدلة المانعة من ولاية المرأة ولاية عامة على الرجال، سواء كانت الولاية العظمى أو ما دونها من الولايات العامة على الجنسين، مثل قول الله تعالى: “الرّجال قوّامون على النساء”، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة”؛ ولعموم الأدلة المانعة من اختلاط الرجال بالنساء وخلوة الأجنبي بالأجنبية، وما قد يصاحب ذلك من تبرج ونحوه؛ فجميع الأدلة الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها، وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله، ونحوها مما استدل به العلماء على الاختلاط المحرّم دالّة على منع هذا النوع من الولايات والإدارات. وكذلك الشأن في الحال الثانية فحكمها حكم الحال الأولى. الثانية: ولاية المرأة على جمع من الرجال والنساء، كأن تكون مديرة جامعة مختلطة أو مدرسة مختلطة أو مؤسسة من المؤسسات العامة التي لا تختص بالنساء، ووجود الرجال فيها ليس وجود عقود عمل لا ولاية. وهي تختلف لعلتين رئيسيتين: الأولى: خلوها عن الأسباب المانعة من تولية المرأة ولاية عامة، تلك الأسباب التي سبق الإشارة إليها في الحالين الأولى والثانية. الثاني: دخولها في عموم أدلة تكليف المرأة بالتكاليف الشرعية، كأدلة وجوب الدعوة والاحتساب مثلًا ومشروعيتهما، وتحقيقها لمقاصد الشريعة في ذلك دون محظور شرعي. الثالثة: ولاية المرأة على مثلها، أي على جمع من النساء، كأن تكون مديرة لجامعة نسائية أو مديرة قسم نسائي في مؤسسة من المؤسسات العامة، وتكون ولايتها على من تحتها ولاية عامة في عموم الاصطلاح السياسي الشرعي، لكنها فرعية على ما مرّ بيانه. معارضون للأمر ولكن هناك من يتوقف عند مشروعية تولي المرأة على بنات جنسها؟ الأدلة على مشروعية ولاية المرأة على بنات جنسها ولاية عامّة في الإدارات الفرعية كثيرة منها: أولًا: مشروعية إمامة المرأة لبنات جنسها في الصلاة، مع أنَّ إمامة الصلاة من الولايات العامّة في تصنيف الولايات في الفقه الشرعي السياسي. فإمامتها للنساء وإن كان فيه خلاف بين أهل العلم، إلا أنَّ الراجح مشروعيته؛ لما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنَّها كانت تؤم النساء، تقوم معهن في الصف، ولما ورد عن أم سلمة رضي الله عنها أنَّها كانت تؤم النساء في رمضان وغير ذلك من الآثار التي احتج بها أهل العلم في المسألة. ثانيًا: الحاجة العامة لتولي المرأة لهذه الولاية التي لِوِلايتها فيها أصل شرعي، والحاجة العامّة تنزّل منزلة الضرورة. وهذا أمر ظاهر، فإنَّه لا يمكن أن يولّى رجلٌ إدارة مدرسة بنات مثلا، أو إدارة حلقات تحفيظ نسائية، أو سوق نسائي مغلق، أو مستشفى صحي نسوي بشكل مباشر. وممن يعلّل بذلك شيخنا عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ سماحة مفتي عام المملكة حفظه الله. ثالثًا: أنَّ ما ذكر من وظائف تقتضيها الأدلة العامة في المأمور به منها كالدعوة والاحتساب، ونحوهما، وأدلتها أدلة لها؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ فهي داخلة في التكليف، ومن ثم تندرج في قاعدة (ما لا يتم المأمور إلا به فهو مأمور به)، أو ما يعبّر عنه بعض العلماء بقاعدة فتح الذرائع؛ فالأمر في المسألة داخل في أمر الفعل (أحد شطري القاعدة)، أي أنه أمر طلب، سواء كان على سبيل الندب أو الإيجاب. ولعل وضوح هذا الأمر عند علمائنا من أسباب قلة حديثهم في تأصيل المسألة؛ لا سيما أنَّهم أقرّوا ذلك في تعليم المرأة الذي كان تحت ولاية العلماء خلال العقود الماضية، فوجدنا الهيكلة التنظيمية تتضمن تولية إداريات في شأن تعليم المرأة ما بين مديرة ووكيلة ونحوهما. وذلك أنها ولاية امرأة على مثلها؛ فليس فيها قوامة للمرأة على الرجل، لا على الرجال منفردين، ولا على الرجال مع النساء؛ وحينئذٍ فلا تدخل في مدلول الأدلة المانعة من قوامة المرأة على الرجل، لانتفاء وجود الرجل هنا، وإن وجد فوجوده يكون من باب التعاقد الخاص، أي أن العقد معه عقد خاص لا ولاية عامة؛ كسائق السيارة أو الحافلة مثلًا. لن يفلح قوم هل تدخل ولاية المرأة على بنات جنسها في مدلول قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة”؟ للجواب على هذا السؤال، ينبغي أن يُنظر في مدلول كلمة (قوم) عند أهل اللغة وأهل الشريعة، ليُنظر: هل تطلق على النساء منفردات؟! قال في القاموس: “القوم: الجماعة من الرّجال والنساء معًا، أو الرّجال خاصّة، أو تدخله النساء على تبعيّة”. وقال الجوهري: “القوم: الرِّجال دون النِّساء”. قال الله تعالى: (لا يسخر قوم من قوم) ثم قال سبحانه: (ولا نساء من نساء). وربما دخل النّساء فيه على سبيل التَّبَع؛ لأنَّ قوم كلّ نبيّ رجالٌ ونساء...”. وقال في لسان العرب: “القوم: الجماعة من الرّجال والنساء جميعا، وقيل: هو للرجال خاصّة دون النِّساء. وأمّا قولهم في قوم فرعون وقوم عاد: هم الذكور والإناث، فليس لفظ القوم بمتعاط للفريقين ولكن قصد ذكر الذّكور وترك ذكر الإناث لأنّهن توابع للرجال”. وقال القاضي عياض في بيانه كلمة قوم في حديث (يؤم القوم أقرؤهم): “مختصة عند الأكثر بالرجال دون النساء”، وقد ورد تخصيصه بالرجال في قول الله تعالى: “(لا يسخر قوم من قوم) ثم قال (ولا نساء من نساء)؛ ففصل بين القوم والنساء”. وقال شيخنا العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله في تعليق له على هذا الحديث في سنن النسائي (المجتبى): “هذا يدل على تحريم تولية المرأة في القضاء والوزارة والإمامة وغيرها، إلا على النساء كمديرة مدرسة بنات ونحوها”؛ وكأنَّ الشيخ رحمه الله لا يرى دخول ذلك في نصّ الحديث. فيظهر -والله تعالى أعلم- أن ولاية المرأة على جنس النساء لا يدخل في مدلول النهي الوارد في حديث أبي بكرة رضي الله عنه (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة). نماذج قيادية هل هناك نماذج في صدر الإسلام على تولي المرأة القيادة؟ ينبغي التفريق بين النماذج التي تصح مستندًا للحكم الشرعي وما ليس كذلك؛ إذ لا يكون مستند مشروعية إلا ما كان مرجع مشروعيته دليلًا شرعيًا من نصٍّ أو إجماع أو قياس أو استدلال، أو ما سنّه الخلفاء الراشدون أو بعضهم. ومن هنا فلا عبرة بما يرد في التاريخ من وقائع لم تعضدها النصوص، ولم يفت بصحتها علماء الشريعة. ولمَّا كان هذا الفرع عن المرأة القيادية وليس عن ولاية المرأة، فألخص ما يُعدّ قبوله في المجتمع تشريعا لوجوده في بحر الخلافة الراشدة؛ لكنه مما يتعلق بالفتيا، وهي قيادة علمية لا ولائية، ومن هنا يمكن القول: إنَّ “الذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ونيف وثلاثون نفسا، ما بين رجل وامرأة، وذُكر منهم أكثر من عشرين امرأة، والمكثرون من للفتوى من الصحابة سبعة، منهم: عائشة رضي الله عنها، ومن المتوسطين أم سلمة رضي الله عنها، ومن المقلِّين: صفية، وحفصة وأم حبيبة، وأم عطية، وأسماء بنت أبي بكر وغيرهن رضي الله عنهم جميعا”. ضوابط شرعية وما ضوابط تولي المرأة للمناصب القيادية؟ هناك مجموعة من الضوابط منها: أولا: ضابط عام، وهو أن تبقى ولاية المرأة على جنسها في حدودها الشرعية من حيث ارتباطها بالدليل الشرعي، والتزامها بشرطها بأن تكون ولاية للمرأة على مثلها فقط في أمور مشروعة؛ فلا يكون لها ولاية على الرجال، لا فرادى، ولا مع نساء أخريات وإن لم يكن ثمَّ اختلاط؛ ولا في الولايات السيادية كولاية القضاء؛ ولا في أمور ممنوعة شرعا، كإدارة مؤسسات تتبنى الدعوة إلى تغريب المرأة وتوظيفها مع الرجال مثلا. ثانيا: أن تخلو من الاختلاط المحرم، كأن يكون مقرّ العمل مختلطا بين الجنسين وإن لم يكن للمرأة ولاية على الرجال فيه؛ وهذا من الفروق المهمة بين الصورة الشرعية، والصور الوضعية التي يتبناها المستغربون ممن استعملهم الأعداء في إيصال أذاهم إلى أهل الإسلام، ونشر أفكارهم بينهم، تحت دعوى المساواة تارة ودعاوى التحرر أخرى. ثالثا: ألا يزاحم تمتعها بهذا الحق ما هو واجب عليها على نحو يجعلها عاجزة عن القيام بهذا الواجب أو يجعلها مقصّرة في أدائه. والواجب الأصلي عليها هو رعاية البيت والقيام بشؤونه وتربية أطفالها، والقيام بحقوق زوجها. رابعا: البعد عن سوء الظن، فقد تقع مخالفة عن جهل أو ضرورة أو غفلة؛ فلا يجوز الحكم من خلالها على الآخرين ولا سيما الدعاة الفضلاء والداعيات الفضليات. وفي قصة الإفك عبرة، وفي قصة صفية حذر. وكيل وزارة الصحة طالبتم بتولي امرأة سعودية منصب وكيل وزارة الصحة، فما رؤيتكم الشرعية لهذا الرأي؟ لا سيما أنه من المتوقع أن يعترض عليه الكثيرون من الفقهاء؟ بيّنت مشروعية تولية المرأة على بنات جنسها، أي أن يكون كل من تحت ولايتها من النساء، فلا يجوز أن تكون لها ولاية عامة على الرجال فقط ولا على جمع من الرجال والنساء، وأن يكون ذلك في غير الولايات السيادية التي منها القضاء والولايات العسكرية مثلا. أما عن حكم تولي امرأة لمنصب نائبة وزير للتربية لشؤون البنات، فهذا جائز بشرط التزام الشرطين السابقين: أن تكون ولايتها على بنات جنسها، وألا يكون تحت ولايتها رجال من الموظفين، وأنه يمكن تصحيح الوضع القائم بتأنيث جميع الوظائف النسائية التي تحت ولاية النائبة، وبحكم الواقعة، يمكن التدرج في التصحيح، على أن تكون قرارات نائبة الوزير بشأن من تحت ولايتها من الرجال موقوفة أي غير نافذة إلا بعد موافقة الوزير، وذلك في حال استثنائية إلى حين تصحيح الوضع الحالي، وقد بدأ التأنيث في ذلك ولله الحمد، ونرجو أن يكتمل في أسرع وقت إن شاء الله تعالى. ربما كنّا أحوج من باب أولى إلى نائبة لوزير الصحة بحكم وجود وضع غير صحيح، وبسبب وجود صور من صور الاختلاط الممنوع شرعا ونظاما، الموجود في عدد من المؤسسات الصحية الحكومية والأهلية، وهو وضع يحتاج إلى تصحيح، وأظن أن تولية نائبة من ذوات الأمانة والقوة في هذا الشأن، مع تأنيث جميع الوظائف التي تخص النساء إدارة وتطبيبا وتمريضا في ذلك، واستقلال الشؤون الصحية المتعلقة بالنساء عن الشؤون الصحية المتعلقة بالرجال، أظن أن مثل هذه الخطوة ستساهم في حل كثير من الإشكالات الشرعية والنظامية، بل حل الإشكالات المتعلقة بسمعة التدريب والتوظيف النسوي في الطب والتمريض. هل ينسحب هذا الرأي على بقية الوزارات الحكومية التي يعمل بها قطاع من النساء؟ كلا، بل هذا يخص المناصب غير السيادية، أما المناصب السيادية كمنصب القضاء مثلا، وكذا المناصب التي يكون تحت الولاية فيها رجال أو رجال ونساء، فهذه مما لا يجوز تولية المرأة فيها، وقد بينت ذلك في الورقة التي أشرت إليها سابقا. وكيلة الوزارة ألا يعد منصب وكيلة الوزارة من المناصب القيادية؟ بلى، وهو من الولايات العامة، وحديثنا كله في الولايات العامة التي تجوز تولية المرأة فيها بشروطها الشرعية التي سبق ذكر أهمها فيما يتعلق بذات الولاية. أما الولايات الخاصة كالحضانة والتصرف المالي الخاص ونحو ذلك، فهذه مما يشترك فيه الرجال والنساء في الجملة، وإن كان منها ما هو خاص بالرجال كولاية التزويج مثلا، وقد بينت أنواع الولايات العامة لدى علماء السياسة الشرعية في الموضوع الذي تم طرحه في ثلاثية الأمير أحمد السديري التي سبق ذكرها؛ لأن هناك من يظن أن منصب نائبة وزير من الولايات الخاصة، وهذا غير صحيح، بل هو ولاية عامة، وولاية المرأة ولاية عامة في الدولة الإسلامية، ليست ممنوعة بإطلاق، بل هي جائزة كما سبق بثلاثة شروط رئيسية: الأول: أن تكون ولايتها على بنات جنسها فقط. والثاني: ألا تكون في ولاية سيادية. والثالث: وهو شرط في جميع الولايات عند علماء السياسة الشرعية: أن يكون المولَّى ممن تتوفر فيه شروط الولاية التي تجتمع في صفتين رئيسيتين: الأمانة على الولاية والقوة في مجالها. صناعة القيادات النسائية ما حكم صناعة القيادات النسائية من الناحية الشرعية وهل هو فرض كفاية؟ يظهر-والله تعالى أعلم- أنَّ حكم صناعة القيادات النسائية لبنات جنسها في المجالات الخاصة بالنساء، هو مما يختلف حكمه باختلاف الحاجة إليه، وربما انطبقت عليه الأحكام التكليفية الخمس ما بين مشروع أو واجب أو مندوب أو مباح، وما بين ممنوع منع تحريم أو كراهة. فيجوز للمرأة أو يندب أو يجب حسب الظروف والأحوال تولي وظائف تعليم الإناث إذا توفر فيها شرطان: عدم الإخلال بواجبها في البيت وحاجتها إلى ارتزاق والكسب بسبب هذه الوظيفة.