كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن إمكانية فتح سوق النقل الجوي في المملكة للشركات الخليجية، أو لشركات أخرى. وحيث إن الدوافع التي وراء تلك النداءات هي الإحساس بتراجع مستوى أداء الناقلة الوطنية، وخروج شركة سما من السوق، ومحدودية مشاركة شركة ناس للطيران في سد الحاجة الملحة الموجودة في سوق النقل المحلي، ومن هذا المنطلق تناول عدد من الكتاب طرح فكرة إيجاد حلول منها السماح لناقلات من خارج الحدود للعمل في سوق النقل المحلي. وفي هذا المقال ارتأيت أن من واجبي كمتخصص في شؤون الطيران أن القي الضوء على بعض جوانب المبررات التي تحول دون فتح السوق للغير على حساب الناقلات الوطنية حسب مضمون ما ورد في تصريح سمو الأمير فهد بن عبدالله مساعد وزير الدفاع والطيران لشؤون الطيران المدني. إن مفهوم الترتيبات المتعارف عليها بين الدول في حقل النقل الجوي يعتمد على تكافؤ المنافع، وجدوى الفرص بين الدول، والمحصورة في نقاط النقل الدولية حيث يتم اقتسام الحركة بالتساوي بقدر الإمكان، واحتكار النقل الداخلي للناقلة (الناقلات) الوطنية، والدول تختار شركائها في إطار المصالح العليا لكل بلد. والنقل الجوي كما هو معروف من الركائز الرئيسية التي تدعم سيادة الدولة على اقتصادها وتنمي علاقاتها الدولية، وتدفع بعجلة الاستثمار والتنمية المستدامة إلى الأمام. وقطاع النقل الجوي في المملكة يمر بظروف صعبة تبحث عن حلول عاجلة. ولكن فتح السوق المحلية لشركات دول أخرى ليس بالحل الذي ينبغي اللجوء إليه، لأن لدينا المقدرة على إيجاد حلول محلية أخرى، مثل السماح لتأسيس شركات طيران جديدة، وتقريب مسافات المفاضلة بينها وبين ما تحصل عليه الناقلة الوطنية (الخطوط السعودية) من امتيازات في أسعار الوقود، والرسوم، وإيجارات المطارات، وغيرها من وسائل الدعم الأخرى. كما أن هناك عددًا من الجوانب التي قد تخفى على الكثيرين من المتحمسين لفتح السوق المحلية لناقلات من دول أخرى منها: • إن قطاع النقل الجوي من القطاعات التي بها ميزات تنافسية عالية، ليس من خلال الربح المباشر فحسب، ولكن من خلال المحركات الاقتصادية الأخرى، مثل فرص التوظيف، وتدوير الأموال في قنوات الاقتصاد المحلي، ودعم السياحة، والمشاركة في التنمية المستدامة بصفة عامة. • التصريح لناقلة (ناقلات) أجنبية بالعمل في السوق المحلية يجب أن يصاحبه ترتيبات ثنائية تضمن للناقل الوطني حقًا مماثلًا في سوق الدولة المعنية وإمكانية ذلك غير متوفرة في الوقت الراهن، حيث إنه من غير المعقول أن نتوقع من ناقلة تجد صعوبات في الوفاء بحاجة السوق المحلية، التوسع في أسواق أخرى. • الناقلة الوطنية تخدم استراتيجية الدولة العامة في وقت الأزمات حيث يتم تحويل عدد من طائرات الأسطول الجوي لدعم جهود الدفاع الوطني وهذه الميزة يتعذر الاعتماد عليها إذا كانت الناقلة ملك لدولة أخرى أو مستثمرين أجانب. • في وقت الأزمات التي قد تضطر الدولة لأسباب أمنية اتخاذ إجراءات معينة، قد يكون من الصعب تطبيقها على الناقلة الأجنبية المسجلة في دولة أخرى لمستثمر أجنبي. • الصعوبات التي تحدث عنها عدد من الكتاب في الصحف المحلية، لا تنحصر في إيجاد طائرات، وطيارين، ولكن جزءًا كبيرًا منها، يتعلق بالبنية التحتية في المطارات -وهذا يظل قائمًا حتى في حالة السماح لناقلات أجنبية بالعمل في السوق المحلية- وهذا الوضع لن يستمر طويلًا، وبالإمكان تجاوزه عندما يتم تنفيذ المشروعات المعلن عنها مثل مشروع تطوير مطار الملك عبدالعزيز الدولي، إذا تم تنفيذه بسرعة استثنائية، وكذلك مطاري المدينةالمنورة والطائف. • إن سوق النقل الجوي في المملكة كبيرة جدًا، ونسبة النمو بها عالية وسريعة، يدعمها وجود الحرمين الشريفين والانفتاح السياحي، ومشروعات التنمية العملاقة التي تنفذها الدولة، وينبغي أن تواكب الخدمات التي يقدمها قطاع النقل الجوي، معطيات السوق وعوامل التغيير المتلاحقة.. والأقلام التي تطالب بتحسين مستوى خدمات قطاع النقل الجوي على حق، لأن ذلك ما يتوقعه الجمهور الذي يطالب بمرافق وخدمات أفضل. • إن موجة العولمة التي اجتاحت العالم في العقود الثلاثة الأخيرة، ما زالت مشروطة بضوابط تحددها المصالح الوطنية لكل دولة، والنقل الجوي من الأهداف التي تحظى بحماية حصينة من كل الدول. هذه لمحة سريعة ومختصرة، حول الجدل الدائر في الصحف بخصوص فتح المجال لشركات طيران أجنبية للعمل في النقل الداخلي. ومع أن كفاءة قطاع النقل الجوي في الوقت الراهن دون المستوى المطلوب، إلا أن خيار السماح للناقلات الأجنبية بالعمل في السوق المحلية في الوقت الراهن غير وارد، وموقف الدولة من هذا الموضوع واضح، حسبما ورد في تصريح سمو الأمير فهد بن عبدالله آل سعود، مساعد وزير الدفاع والطيران والمفتش العام لشؤون الطيران المدني، وهدفه حماية امتيازات سوق النقل الجوي في المملكة، والعمل على التطوير وتحسين مستوى الأداء في القطاع بالشكل الذي يلبي حاجة المواطن، ويخدم المصلحة الوطنية على المدى البعيد.. والله من وراء القصد.