حج مبرور وسعي مشكور لكل من حج أو اعتمر في هذا الشهر المبارك فاجتمع له شرف الزمان وشرف المكان بالوقوف على المشاعر الحرام والطواف بالكعبة المقدسة والصلاة بالحرمين الشريفين وزيارة قبر خير البرية سيد ولد آدم نبينا محمد عليه وعلى آل بيته الكرام أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وعمل صالح مقبول لكل من قدر له اغتنام أجر الليالي العشر الذي يفوق أجر الجهاد في سبيل الله، ولمن تيسر له صيام يوم عرفة أفضل يوم طلعت عليه الشمس، الذي يعدل صيامه صيام الدهر، ثم عيد أضحى مبارك للجميع أعاده الله على الأمة وهي أحسن حالا وأفضل مآلا، إنه سميع مجيب فعال لما يريد فيكشف عنها الغمة ويبدل حزنها سرورا فهو، سبحانه، إذا أراد قال للشيء كن فيكون. هي مواسم خير وبركة تترى على المسلم في مشوار دنياه الفانية وصولا إلى أخراه الدائمة، محطات استراحة ربانية في رحلة عمره القصيرة يتزود منها بخير زاد ويغتسل فيها مما علق بثيابه أو نفسه من ذنوب أو آثام كبرت أم صغرت، فكما جاء في الأثر، لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الاستمرار أو التكرار. مر بنا قبل قليل موسم رمضان شهر الخير والإحسان بكل بركاته ورحماته، وهاهو موسم الحج يكاد ينقضي وعما قريب سنبدأ سنتنا الجديدة وعاما آخر من عمرنا فكيف سنستهله؟ ها قد تحررنا من ذنوبنا وما قد يثقل خطواتنا من معاص فكيف ستكون خطواتنا بعده! عودا على بدء وتكرارا لما كان؟ ها هي جردة حسابنا عن عام مضى مطروحة خلفنا موثقة في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فكيف ستكون صفحتنا الجديدة لعامنا القادم أمامنا، كلمات أخر وحروف مختلفة؟ لك وحدك الخيار. العيد يأتي بعد كل موسم خير كجائزة يحتفل بها المرء عن ما تم انجازه وما تم قبوله من الله عز وجل بإذنه، الانجاز يكون على قدر العزم أما القبول فيتوجب اليقين بحدوثه، لا أحد يشك أن من حج ولم يرفث ولم يفسق عاد كيوم ولدته أمه لأنه وعد ممن لا يخلف الوعد، ذات الأمر لمن صام رمضان إيمانا واحتسابا سيكون جزاه الجنة، العزم هنا يصنع الدرجات كما التقوى تماما تصنع الفروقات بين الأفراد، والاثنان مصدرهما ومكانهما القلب، تلك المضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله، فلا ريب، والحالئذ، أن يكون المرء بأصغريه قلبه ولسانه، قلبه كمستودع للتقوى ولسانه كمعبر لها بالذكر، النطق بالاستغفار لا يكفي بل يجب أن يوقن القلب بما ينطق به اللسان، ومن هنا تأتي الخشية من قلب لا يخشع وعين لا تدمع ولسان لا يترطب بذكر الله، أما الدعوة التي لا يستجاب لها فلا يمنعها إلا العيش بالحرام في المأكل والمشرب، وإلا فإنه الإمهال من الله سبحانه الذي يمهل ولا يهمل، لأن الأصل الاستجابة لقوله عز من قائل ادعوني استجب لكم، ويقول عليه السلام: إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. فرحة العيد للعبد المؤمن بمحو ما سبق من خطاياه لا يفوقها إلا فرحة الله سبحانه بعودة عبده الضال إلى طريقه المستقيم، جاء في الحديث القدسي، ما معناه، أن من أتى الله ماشيا يأتيه الله مهرولا، وأن من يتقرب إلى الله شبرا تقرب الله إليه باعا ومن يتقرب إليه باعا يتقرب الله إليه ذراعا، وفي حديث قدسي آخر أن الله تعالى قال «.. يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، ولو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة». فالله أسأل أن يتقبل منكم ومني صالح الأعمال وأن يوفقنا في استغلال مواسمه الدينية بطي صفحاتنا القديمة ومحو ما فيها من آثام، وأن نبدأ صفحاتنا الجديدة بعزيمة واقتدار منا وعفو وغفران من المولى سبحانه *** ** الموت حق وكل نفس لا شك ذائقته ولكل أجل كتاب، غير أن بعض الموتى يغيبون فقط ولا يختفون، من أولئك أستاذي ومعلمي محمد عبده يماني، هكذا بدون ألقاب لأنه فوق كل الألقاب، شرفت به المناصب واعتلت به المناقب وافتخرت به مكارم الأخلاق. أعزي نفسي ومحبيه، وهم كثر، قال صلى الله عليه وسلم: «إذ أحب الله تعالى عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحببه فيحبه جبريل، ثم ينادى في السماء إن الله تعالى يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يُوضع له القبول في الأرض». رجل فقده العالم الإسلامي وليس وطنه وحسب وليس مدينته مكة التي باتت لفقده حزينة ليالي وستظل حزينة لغيابه سنينا، رجل وصل خيره وفضله أقاصي العالم الإسلامي، فله في قرى كثيرة ومدن أكثر منقبة تذكر أو صنيعة تخلد، رجل أحب الخير واشتهر به، عالم فذ في معمله ..إداري محنك في عمله، تعلم القرآن الكريم ودعا إلى تعلمه حتى آخر يوم في حياته، وتعلم الحديث الشريف وعلمنا محبة قائله سيدنا رسول الله عليه السلام حتى آخر لحظة من حياته، علمنا محبة آل البيت وآثار النبوة، علمنا معنى الرجولة. رحمه الله رحمة الأبرار الصالحين وجعل مقامه مقام الشهداء المخلصين، وكتب له الجنة خير دار وألهم أهله ومحبيه القدرة على الصبر والاحتمال، لمثله تدمع العين وعلى مثله يحزن القلب وإنا لله وإنا إليه راجعون هو حسبنا ونعم الوكيل.