كان لا يدخل إلا هب لملاقاته الكبار قبل الصغار، يحيونه، يفسحون له في صدر المجلس إجلالاً وتقديرًا وإكبارًا.. وحين يقبل، تسبقه محبة الناس ويقربه وقار التواضع. تراه يبتسم في وجه الجميع، يهش في وجه المخالف كما يفرح بلقاء الموافق.. وإذا رد على ناقديه لا تسمع كلمة جارحة أو عبارة نابية، بل تُلفتك الرقة والعذوبة التي لا تخفي الرأي الصادق الواضح ولا تدلس على القارئ أو السامع لكنها تضع الرأي ووجهة النظر في أسلوب أهل العلم المتصلين بأحوال الناس.. فهو العالم بين أهل العلم وهو “ابن الحارة” الودود اللماح في مجالس الأصدقاء، صاحب القفشات المهذبة التي لا تغتاب ولا تلمز. وإذا انتقد الأخطاء ودعا إلى الإصلاح فهو صاحب الرأي الوسط والأسلوب المهذب مع الصلابة والتمسك بما يراه الحق. رحل صاحب النخوة المبادر بالوقوف في وجه الظلم، إذ لا تصل إلى علمه مظلمة إلا وسارع إلى العمل على رفعها، بقدر ما يستطيع، فلا يبخل بجاهه وهو المقدر المشفع عند ولي الأمر. ولا تنقل إليه كربة ألمت بأحد إلا كان ساعيًا في تفريجها، يعرفه الأغنياء عفيفًا يدعوهم إلى فعل الخيرات من فضول أموالهم ويعرفه الفقراء وأصحاب الحاجات متواضعًا يسعى في أحوالهم شفيعًا في قضاء حوائجهم. رحل رجل في مقام رجال، فهو الكاتب صاحب الأسلوب السلس والحديث الطلق.. وهو الإعلامي صاحب المبادرات الداعية إلى نشر حرية الرأي والتعبير، وهو رجل الدولة الحاضر في مواقع التأثير وجمع الكلمة، وهو الباحث المنافح عن رموز الإسلام المتصدي لتخرصات وأباطيل الطاعنين في الأخيار من رموز الأمة.. وهو المشغول بأحوال المسلمين في كل مكان، فلم تشغله أرامل مكة ولا أيتام جدة ولا فقراء المدينة عن الإنشغال بأحوال الأقليات والاهتمام بأحوالهم حتى زنوج أمريكا حظوا بنصيب من اهتماماته وأبحاثه وكتاباته. رحل المحب الذي جعل محبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منهجًا ومطلبًا تربى عليه الأجيال. رحل أبو ياسر وقد اتسعت دائرة أفعاله الخيرة بعد أن تحرر من قيود.. رحل الرجل النادر في الزمن الغادر. فاللهم أرحمه وتجاوز عنه وتقبله في الصالحين.