مشكلة المخترعات والتقنية والمنجزات والأبحاث العلمية عموما، أنها أصبحت مرتبطة في عصرنا، بقوانين السوق ومرتهنة لفلسفة الاستثمار بدلا من أن تكون انعكاسا للرغبة في توظيف قدرة العلم لوضع حد لمعاناة الإنسان. منذ أن أصبح العلم خاضعا لقانون العرض والطلب، ومنذ أن دخل العلم مجال الاستثمار باعتباره أداة من أدوات الإنتاج التي تسد حاجات السوق حسب ما يقتضيه النظام الرأسمالي، فقد العلم دوافعه النبيلة وأصبح مجرد سلعة مقدرة بثمن مالي ومعروضة في السوق مثلها مثل باقي السلع الاستهلاكية الأخرى. الحضارة الإنسانية وصلت إلى مأزق حقيقي بفضل هذه الفلسفة التي حولت الحياة إلى سوق، واختزلت نشاطات الإنسان وقدراته غير المحدودة على الإبداع والابتكار، في سلوكيات السوق القائمة على ثلاثة أنواع من النشاط فقط هي: الإنتاج والبيع والشراء. هذه الأزمة أو هذا المناخ العام، هو الذي جعل العلم يهتم بسد حاجات السوق على حساب حاجات الإنسان الحقيقية. ولأن السوق يقوم على وجود قوة شرائية قادرة على شراء المنتجات والسلع بمختلف أنواعها، فقد تحول الجزء الأكبر من الإنتاج العلمي والتكنولوجي والمعرفي عموما، لتأمين احتياجات ورغبات الطبقات القادرة على الشراء، وأهمل بالمقابل الطبقات التي لا تستطيع دفع ثمن المنتج العلمي!. الواقع يقول إن عدد الجياع في العالم وصل إلى حوالى ألف مليون جائع من أصل ستة آلاف مليون هم مجموع البشر الذين يعيشون على كوكب الأرض. أما عدد البشر الذين يعيشون تحت خط الفقر فقد وصل هو الآخر إلى رقم قياسي، حيث بلغت نسبة هؤلاء حسب تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، حوالى 20% من مجموع سكان العالم. وهذا يعني أن نسبة كبيرة من البشر يتطلعون إلى تلبية ضروراتهم المعيشية، دون أن يتدخل العلم لمساعدتهم على تأمين تلك الضرورات الملحة. في نفس الوقت الذي ينفق فيه جزء آخر من سكان الكوكب، مبالغ يصعب تقديرها للحصول أو للانتفاع بانجازات العلم والتكنولوجيا في مختلف المجالات! لقد انحصر دور العلم في تلبية احتياجات المقتدرين، وفي توفير المزيد من الرفاهية للطبقات التي تنعم بالرفاهية أصلا. بينما ظل العلم يحتفظ بدور المتفرج الحيادي أو السلبي تجاه معاناة المحرومين من البشر ! قاتل الله نظام السوق.