منذ كتب الدكتور عاصم حمدان مقاله الأسبوع الماضي، والذي أشار في نهايته -بمشاعر الوفاء وقلم المحب- عن مرض الأستاذ محمد دياب، وأنا أتلقى العديد من الاتصالات التي تستفسر عنه بحكم العلاقة التي تربطني بهذه الشخصية الفريدة من وجهة نظري، وكذلك للوشائج القوية التي جعلت من أسرته الكريمة أن تمنحني شرف (الأخ)، وقد لمست إلى أي حدٍ بلغ حب هذا الرجل لدى المحيطين به، من زملاء وأصدقاء ومتابعين لإبداعاته، ومقدار الجزع الذي أبدوه تجاه مرضه، رغم أنه لا يوجد -إن شاء الله- ما يزعج. مبتهلين إلى الله أن يشفيه جزاء ما قدَّم من أفعال خير، وما أنفق في سبيل الله، ولا نملك إلاّ الدعاء. لقد قابل «الدياب» الوعكة التي ألمَّت به بقلب المؤمن بقضاء الله، وحتى قبل يومين من سفره ظل حديثه مع جلسائه بنفس الوهج الذي عُرف عنه، وكان حريصًا على مشاعر المتّصلين به من الذين يسألون عنه، كان هو مَن يُخفف عليهم مطمئنًا الجميع بأنها «شدّة وتزول». وما كنتُ أودّ أن يترجل «الدياب» عن الكتابة اليومية، ويحرم قرّاءه من متابعة إبداعاته ونقده وتشريحه للقضايا البارزة في مجالات الفن والاقتصاد والسياسة وعلم النفس والاجتماع، وتعرية أخطاء المجتمع، وكما برز «الدياب» في كتابة المقال، برز في كتابة القصة القصيرة، فمن بين أجمل إصداراته كتاب «16حكاية من الحارة» والذي رسم فيه صورًا لرموز شعبية كانت معروفة لدى أهل الحارة، ولعل الحكاية (17) التي لم ترد في كتابه هي حكايته هو التي لم تكتب، وقرأها كل الملتصقين به، وهو في حكاياته تلك يذكّرني برائد القصة القصيرة في الأدب الأمريكي (أو. هنري)، أو قد يكون متأثرًا به، منتميًا لما يُعرف بالواقعية الطبيعية التي ترى «بأن الحياة العادية اليومية تحمل في طياتها من الأمور والمواقف ما يمكن أن يعكس زوايا وأضواء ودلالات زاخرة بالمعاني وجديرة بالاعتبار». كان مغرمًا بحب «جدة» فشارك في كتابة جزء من تاريخها، وكان مفتونًا ب(حارته) فسلط الضوء على المغمورين فيها، وجعلهم أبطالاً لزمن كانوا فيه صانعين لأحداثها وتاريخها وأحد معالم تراثها، ولم يجار أحد الدياب -وهذه حقيقة- في وصف الحارة، ناسها، وأزقتها، وفرحها، وروابطها، وشهامة سكانها، تلك الحارة كانت جديرة بأن يكتب لها التاريخ بأن يتربى فيها مثل هذه الشخصية العظيمة، التي تتسم بالوفاء والنزاهة وحب الناس وسخاء اليد. أتمنى من كل الذين يطلعون على هذا المقال أن يدعوا له بالشفاء العاجل، ويعيده الله إلى أهله ووطنه سليمًا معافى.