ما الذي يجري في الأندية الأدبية؟ سؤال لا يتردد متابع للشأن الثقافي في بلادنا أن يسأله دونما مواربة؟ هل ما يجري داخل هذه الأندية وضع نموذجي ومتناسب مع الطموحات، ويتوافق مع الآمال المعقودة على أندية تجاوز عمر بعضها الخمسة والثلاثين عامًَا؟ هل تأخُّرُ التجديد وتطوير آليات هذه المراكز الثقافية الأدبية أمر ٌيبعث على الاطمئنان؟ هل إحراق خيمة النادي وتهديد رئيسه عبر الاتصالات والرسائل المتكررة يمثل وضعًَا طبيعيًَا ودلالة واضحة على سير الأمور نحو الأفضل؟ هل يليق بالثقافة وأهلها تسجيل محضر (يشبه دعاوى الحسبة) في مقر الشرطة ضد أحد المثقفين الفاعلين في أحد الأندية واتهامه بالدعوة إلى الاختلاط، و(جرجرته) كمتهم إلى التوقيف ثم إخلاء سبيله لاحقًَا..؟ صحيح أن التصرف المستهجن أفقد رئيس النادي منصبه؟ لكن أين نصنف مثل هذه المواقف التي تمت باسم النادي ورئيسه المتشبع بالثقافة وفوبيا الاختلاط معًا؟ هل يصح اتهام من يدعو إلى استخدام التقنية في المحاضرات والأمسيات بأسوأ التهم والدخول في النيات ورفع الدعاوى؟ هل يصح اتهام إحدى المثقفات التي تمنّي النفس برؤية حفلات العرضة (المؤداة من قبل رجال) بأنها من دعاة ومحبي الاختلاط، ويتم التشنيع عليها وتقويلها ما لم تقل؟! هل يُعقل تصريح رئيس نادٍ بأن عددَ أعضاءِ مجلس إدارة ناديه موزعون مناصفة وبالتساوي بين القبيلتين الرئيستين اللتين تسكنان المنطقة؟ هل أراد الرجلُ أن يضرب مثالًَا يحتذى في الشفافية (صرعة هذه الأيام) أم ماذا؟ لقد وقع فيما هو أسوأ. لقد تحول النادي بعد تصريحه الشهير عبر ملحق (الأربعاء) قبل بضعة أشهر إلى مؤسسة خدمية إدارية نجت من تأسيس الوعي ومن المحاباة معًا!!! تلكم الأسئلة -قارئتي وقارئي العزيزين، وغيرها تطرح سؤالًَا متفرعًَا من سؤال الافتتاح.. إليكم السؤال: هذه الأندية الأدبية إلى أين يُراد لها أن تصل؟ لقد كانت استقالةُ أعضاء مجلس الإدارة في نادي جدة الأدبي قبل أكثر من خمسة أعوام مؤشرًَا لمرحلة جديدة في حينها، أما اليوم، وقد استقال مجلس الإدارة في نادي المنطقة الشرقية بكامل أعضائه.. فما المؤشر الذي يمكن استخلاصه من هذا القرار؟ هل ضاق أعضاء مجلس الإدارة ذرعًَا بسبب تأخر تطبيق اللائحة الجديدة، مع دعوة الوزارة للأندية إلى تطبيقها على الجانبين المالي والإداري؟ ألا يشكل تأخّرُ أو تأخيرُ تطبيقِ الانتخابات في هذه المؤسسات الثقافية هاجسًَا مقلقًَا؟ خصوصًَا بعد أن أُشيع عن النية في تحويل عضوية الغرف التجارية إلى التعيين بدلًَا من الانتخاب، مما يصيب مؤسسات المجتمع المدني المنتظرة بانتكاسة خطيرة ويصيبها في مقتل! بعد الحراك البطيء والجيد نسبيًَا والانتخابات التعيينية التي جرت في السنوات الماضية، أليس من الممكن القول إن الوضع القائم اليوم يمثل الحدَّ الذي وصله المثقف، بما في ذلك عجزه عن الوصول إلى النضج الانتخابي وعجزه عن صناعة الحدث الثقافي الخلاّق. لنتفق أولًا على أن هذه الأندية يفترض أن تسير إلى انتخابات ولائحة تحدّد الكثير من الصورة النهائية للأندية الأدبية الثقافية التي تريدها وزارة الثقافة والإعلام في المرحلة المقبلة. كما لا بد من الاتفاق على عدة أمور، أهمها أن النادي مكان لطرح الإبداع وتلقّيه والتحاور مع النتاج ذاته سواءٌ اتفقنا مع صاحبه في الجنس أو الرأي أو الفكر أم لم نتفق، في أجواء من حرية التعبير ليكون النادي بحق إحدى مؤسسات المجتمع المدني المنتظرة! أود هنا طرح عدد من مواضع الخلل في واقعنا الثقافي ممثلًَا بأنديتنا العزيزة، ومنها: - ضيق بعض منسوبي الأندية بالرأي الآخر، وقد يصل الأمر إلى رفض الرأي لكونه صادرًَا عن سين أو صاد، ثم الذهاب بعيدا بالتشنيع واتهام النيات واستعداء واستدعاء السلطات الأمنية وزجها في قضية (لا قصة لها فيها ولا قصيدة). - الجهل الواضح بمفاهيم عدة منها الاختلاط والتغيير وتوظيف التقنية ومشاركة المرأة في الأنشطة الأدبية والثقافية. - استعداء المجتمع وتجييشه ضد العديد من المؤسسات، والأندية الأدبية وحتى الأشخاص، ما يذكّر بما حصل من تهييج ضد عدد من الكتّاب في مرحلة الثمانينيات، تلك الفترة التي جرى على أديمها حِبْرٌ كثير وصراخ عالٍ، ما زال بعض من غباره عالقًَا في الجو وربما سنظل نعاني فترة أطول مما نتوقع من آثار تلكم المرحلة، كونها مثّلت ولا تزال الأفق الضيق الذي يحارب الوعي ويضيق بالنقد الموضوعي ويحارب ما لا يروق لذائقته من إبداع. - وجود أفكار مغلوطة حول طبيعة عمل النادي الأدبي وبرامجه التي يفترض أنها موجَهَّة للإنسان (رجلًَا وامرأة) وللتنمية الثقافية لا للقبيلة وأجندتها التَّوازُنية! • قد يقول قائل هذا هو المجتمع، وهذه اهتماماته! لماذا يتعالى النادي أو المثقفون عن مثل هذه النقاشات. يواصل القائل: ألا يفترض بالنادي كمؤسسة ثقافية أن تتقبل الحوار تحت سقف النادي حتى ولو وصل هذا الحوار إلى (فتح مغاليقَ كثيرةٍ من المسكوت عنه؟). وعلى سبيل التحاور، أليس من الأجدر والأجدى بالحوارات، داخل النادي أن تمثّل ما وصل إليه وعي المجتمع رجلًا وامرأة (على الأقل أولئك الذين جرى العرف على تسميتهم بالنخبة) مبرزين ما توفروا عليه من مستوى معرفى متجاوز وحس ثقافي عالٍ بعيدًَا عن التسطيح ولوي أعناق الآراء؟ لا يكمن لنا إنكار أن المثقف جزء من المجتمع، يتفاعل معه، ويعاني مما يعانيه أبناء بيئته سلبًَا، ويتواصل معهم وجدانيًَا وثقافيًَا وحتى اقتصاديًَا، إلا أن ما يتصاعد من حين لآخر عبر الأندية الأدبية من نقاشات حادة تتمحور حول قضايا مأزومة، توحي للمتابع أن المجتمع يسعى إلى تجريم نفسه دون جريمة والارتكاس إلى الوراء، ومن ذلك الفهم المغلوط للاختلاط ومدى مشاركة المرأة بفعالية بصوتها حسيًَا ومعنويًَا، وقَوْلبة الوعي وضيق الرؤية، وطرح قضايا حادة تحتاج إلى الوعي قبل حاجتها لكل هذا الاستقطاب الاجتماعي. إن السلبيات الواردة هنا لم تنته بعد، فالشللية ومصادرة الرأي الآخر وإقصاء المرأة عن مجالس الإدارة وعدم التعامل بشفافية مع الجميع وخصوصًَا الإعلام، لا تزال مجتمعة أو متفرقة تشكل جانبًَا مهمًَا من مشكلات أنديتنا الأدبية التي تحتاج إلى مشوار طويل ووضع الحلول الناجحة لها، لنرى ثمارها في المستقبل. إنها دعوة مخلصة لجميع المنتسبين للعمل الثقافي والمنضوين تحت مظلة الأندية الأدبية بالمملكة إلى البعد عن المهاترات، وتجاوز المناطقية والقبائلية، وتجاوز الجدل العقيم والحوارات الفارغة التي ليس من أهدافها الإضافة المعرفية بقدر ما هي إلى المراء والمماحكة ومجانبة الحقيقة أقرب!! ..عندها فقط، يكون لنا الحق بالتفاؤل، كما تفاءلت إحدى المشاركات في أنشطة أحد الأندية الأدبية واستبشرت مؤخرًَا بصدور اللائحة المنتظرة للأندية الأدبية.. وتمنت -وهي أديبة تستحق- أن تكون عضوًَا في مجلس إدارة ناديها الأدبي. أخيرًَا.. النفس البشرية تواقة ومتذوقة للفنون.. والحياة رجل وامرأة، والنشاط الإنساني، بما فيه الثقافي، منبعه ومنتهاه عقل وروح ووعي الإنسان.