أكتبُ هذا المقال لأحبتي القراء وأنا في مكان بعيد (في عاصمة الضباب لندن) في رحلة عمل.. هذه المدينة العريقة في كل شيء، في مبانيها وحضارتها وفي تقاليدها العريقةِ التليدة أيضا! عموماً: التقيتُ بأحد الإخوة العرب المقيمين في (لندن) منذ أمد وهو محبٌ للمملكة متابعٌ لأخبارها وما يُنشر في صحفها وليته يُخفّف من هذه العادة الأخيرة وكان محل استغرابه وسؤاله هو: ما الذي يحدث عندكم؟ فقلتُ: خير وما ذاك؟ قال: هل يُعقل أن الأخبار الرئيسة عندكم وفي معظم الصحف وفي الصفحة الأولى؛ لا تتحدث إلا عن جرائم الفساد المالي وخراب الذمم واكتشاف شخصيات مهمة هنا وهناك متورطة في هذه التهمة أو تلك! والملاحظ أن جميع ما يُنشر اتهامات وقضايا لا تزال قيد التحقيق! بل بعضها مجرد أخبار لم تصل بعدُ لمرحلة الاتهام! قلتُ: مع الأسف يا أخي هذا ما يحصل، حتى والله كدنا نعزف تماماً عن مطالعة الصحف! ومع يقيني التام أن للصحافة دورا كبيرا ومؤثرا في الكشف عن الخلل أياً كان، وتقديم الحقيقة واضحةً لولاة الأمر لمساعدتهم في رفع الظلم وتحقيق العدل. لكن: أن يكون جمع الأخبار ومن أي مصدر وفي أي مرحلة قبل ثبوت الاتهام أو بعده هو غاية ومقصد وليس وسيلة، وعندما تكون الإثارة والسعي للسبق الصحفي هو الهدف فهنا يكمن الخلل! إن هذه التّهم المنشورة والتي تطالعنا ويطالعها غيرُنا كلّ صباح، تطال جهات وشخصيات لو ثبت عليهم ما يُنشر فهم يستحقون الجزاء الرادع والحكم العادل، ولكني أرى أن المسألة تحولت في غالبها لمجرد أخبار يتناولها محررون ومراسلون ليس لأكثرهم تلك الخبرة الطويلة وقد لا يعي بعضهم قوانين ومبادئ وتقاليد الصحافة العريقة، لذا فإن المسؤولية متعيّنة على رؤساء التحرير بعدم زج الصحفيين المبتدئين في هذا الجانب الخطير والحسّاس المتعلق بالقضاء والقانون وسمعة الآخرين قبل حصولهم على قدرٍ عالٍ من التأهيل والتجربة! وحتى يُفرق الواحدُ منهم بين السعي للوصول للحقيقة كاملةً وبين السعي للسبق والإثارة! وبين الخبر الذي يُفيد تحقيق العدل وجهاته المعنية وبين الخبر الذي لا يفيد إلا الشوشرة! إن هذا الكم الهائل من قضايا الفساد التي تُنشر لو صح بعضُها فقط فإنه سيكون منذر شرٍ ومؤشرا خطرا! يجب معه أن نقف مع أنفسنا جميعاً وقفةً صادقة للنظر ما الذي حدث ولماذا حدث! وأين وازع الدين والضمير وأين الخوف من يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون وأين ما ندافع من أجله من قيمٍ ومبادئ؟ وهل استطاع كل أولئك أن يقفوا عند إغراء الدرهم والدينار والسلطة والجاه؟! أما أننا نلبسُ أقنعةً من ثلج تذوب عند أول ظهورٍ للشمس! هذه الرسالة والانطباع أنقله من هنا من «لندن» إلى معالي وزير الثقافة والإعلام مع التحية. اللهم رحمتك نرجو .. أصلح لنا شأننا كلّه. [email protected]