دعا صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة ورئيس مؤسسة الفكر العربي الأمير إلى تضمين التوصيات والرؤى حول أولويات العمل الثقافي العربي المشترك والقضايا الملحّة للثقافة العربية والمتمثلة في إنقاذ اللّغة العربية. وحماية التراث، ودعم الإبداع وحماية الملكية الفكرية، ورعاية ثقافة الطفل والشباب،وإعلاء القيم الإنسانية وحوار الثقافات، ودعم المحتوى الرقمي العربي على شبكة الإنترنت، والدعوة لإنشاء سوق ثقافية عربية مشتركة، ودعم حركة الترجمة وترشيدها في جدول أعمال قمة الثقافة العربية المرتقبة.. جاء ذلك في كلمة سموه التي ألقاها نيابة عنه الأمين العام لمؤسسة الفكر العربي الدكتور سليمان عبدالمنعم إلى وزراء الثقافة العرب خلال مؤتمرهم السابع عشر الذي اختتم أعماله أمس بالدوح في العاصمة القطرية الدوحة أمس. حيث قال سموه: أحييكم وأقدّر جهودكم الطيبة النبيلة في أعمال مؤتمركم الهام لوزراء الثقافة العرب في عصر أصبحت فيه الثقافة - دونما مبالغة - جزءًا لا يتجزأ من أمننا القومي العربي. إنني إذ أشكر لكم هذه الدعوة للحديث أمام جمعكم المرموق بصفتي رئيسًا لمؤسسة الفكر العربي، التي انطلقت منذ عشر سنوات في إطار اقتناعنا بالمسؤولية الاجتماعية والقومية لرأس المال فإنني أودّ التأكيد على أولويتين: الأولى: ضرورة تكريس جهودنا لإعلاء شأن الثقافة، والفكر، والمعرفة، والإبداع في وطننا العربي. إنّ هذه المنظومة، فضلاً عن قيمتها الحضارية تمثّل في الوقت ذاته أسس البنية التحتية لعملية التنمية البشرية المستدامة في كلّ جوانبها وأبعادها. إننا نحتاج أكثر من أي وقت مضى لإرساء مقومات مجتمع المعرفة في عصر لم تعد فيه الثروة أو القوة وحدهما أساس تقدم الشعوب ونهضة الأمم، بل أصبحت “المعرفة” مصدر تجدد الثروة وأساس امتلاك القوة. الثانية: أهمية السعي المخلص الدؤوب لتحقيق التضامن الثقافي العربي الذي اعتبرناه أحد أهم أهداف مؤسسة الفكر العربي منذ بداية انطلاقها. لكن التحدي الذي يواجهنا جميعًا هو كيفية تحويل هذا التضامن الثقافي العربي من مجرد شعار إلى رؤية استراتيجية تتوسل مجموعة مدروسة وقابلة للتنفيذ من الخطط والمبادرات وبرامج العمل. ولعلكم تشاطرونني الرأي في أنّ التضامن الثقافي العربي، الذي هو بالضرورة أساس كل تضامن عربي آخر، يتطلب دعم العمل الثقافي العربي المشترك الذي يوجب بدوره حشد الجهود وتكامل الأدوار بين المؤسسات الثقافية الرسمية والمجتمع الأهلي والقطاع الخاص. مضيفاً : في إطار السعي لتحقيق هاتين الأولويتين كنّا أطلقنا في أول أكتوبر من العام الماضي الدعوة لعقد قمة ثقافية عربية في حضور جمع من المفكرين والمثقفين العرب في أحد مؤتمرات مؤسسة الفكر العربي في بيروت. كنّا وما زلنا نرى في عقد مثل هذه القمة الثقافية ضرورة لمواجهة التحديات الثقافية والمعرفية في عالمنا العربي ولتوفير مناخ أفضل للمبدعين والمفكرين العرب. وقد أسعدني تجاوب السيد أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى مع دعوتنا، فعقد في يناير من العام الجاري لقاء تشاوري في دار الجامعة العربية في القاهرة بدعوة كريمة من السيد أمين عام الجامعة ودار نقاش حرّ ومطوّل مع عدد من المفكرين والمثقفين العرب. وقد انتهى هذا اللقاء بتكليف مؤسسة الفكر العربي والمنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة أليكسو بمهمة تنظيم لقاءات تحضيرية للقمة الثقافية العربية المرتقبة. لقد كان لمؤسّسة الفكر العربي شرف تنظيم اللقاء التحضيري الأول في بيروت في يوليو الماضي، بالتنسيق مع المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة أليكسو تحت مظلة جامعة الدول العربية. وقد شارك في هذا اللقاء نحو 150 مثقفًا عربيًا من 18 دولة عربية يمثلون أهم المؤسسات والمنظمات والتجمعات الثقافية العربية (الرسمية والخاصة والأهلية)، وعدد من المفكرين والكتّاب والمثقفين العرب، وأكاديميين، ومبدعين، ورئيس اتحاد الكتّاب العرب ورئيس اتحاد الناشرين العرب ورؤساء تحرير صحف عربية. وكان سبق هذا اللقاء استطلاع رأي لحوالى 350 من المفكرين والمبدعين والمثقفين العرب، أجرته مؤسسة الفكر العربي، حول أولويات الثقافة العربية وقضايا العمل الثقافي العربي المشترك التي يودون مناقشتها في اللقاء التحضيري تمهيدًا لاقتراح طرحها حال التوافق عليها على أجندة القمة الثقافية المرتقبة. وقد دعوت في الجلسة الافتتاحية لهذا اللقاء الذي شرفت بحضوره مع السيد وزير الثقافة اللبناني، والسيد مدير عام المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة أليكسو، والسيد ممثل جامعة الدول العربية إلى ضرورة وضع قضية اللّغة العربية على رأس أولوياتنا الثقافية في العقدين المقبلين، كما دعوت أيضًا لإنشاء صندوق للتمويل الثقافي العربي. وقد انتهى هذا اللقاء التحضيري الناجح بكل المقاييس إلى إصدار وثيقة ختامية تتضمن عددًا من التوصيات والرؤى حول أولويات العمل الثقافي العربي المشترك والقضايا الملحّة للثقافة العربية التي خلص إليها المشاركون في اللقاء التحضيري، وقد تمثلت هذه الأولويات فيما يلي: • إنقاذ اللّغة العربية. • حماية التراث. • دعم الإبداع وحماية الملكية الفكرية. • رعاية ثقافة الطفل والشباب. • إعلاء القيم الإنسانية وحوار الثقافات. • دعم المحتوى الرقمي العربي على شبكة الإنترنت. • الدعوة لإنشاء سوق ثقافية عربية مشتركة. • دعم حركة الترجمة وترشيدها. مختتماً بقوله : إنني إذ أدعو أن تكلّل أعمال مؤتمركم الهام بالتوفيق والسداد يسعدني أن أضع قدرات وإمكانات مؤسسة الفكر العربي تحت تصرفكم لتكون مع كلّ جهد عربي آخر عنصرًا معزّزًا، على طريق التحضير للقمة الثقافية العربية ولكل مبادرة تطلقونها لدعم العمل الثقافي العربي المشترك. وبهذه المناسبة فإنه سيسعدنا أن نضع بين أيديكم نتائج أكبر عمل بحثي وميداني حول واقع اللّغة العربية من خلال أضخم مجموعة استطلاعات للرأي تجريها مؤسسة الفكر العربي في عشر دول عربية للتعرف على مختلف جوانب أزمة اللّغة العربية في المؤسسات التعليمية والإعلامية وفي حقول الإبداع والبحث اللغوي، وفي أوساط الشباب. نأمل أن يكون هذا العمل الميداني جزءًا من عمل بحثي متعدد المحاور تقوم به مجموعة من الخبراء وأهل الاختصاص لتقدّم لصنّاع القرار في القمة الثقافية المرتقبة خطة عمل للنهوض بواقع اللّغة العربية وإعلاء شأنها. نأمل أيضًا أن تجدوا في التقرير العربي الثالث للتنمية الثقافية الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي في ديسمبر المقبل، أثناء انعقاد مؤتمرنا السنوي (فكر 9) في بيروت والذي يسعدني دعوتكم لحضوره.. نأمل أن تجدوا فيه إسهامًا ولو متواضعًا في التعرف على واقع المحتوى الثقافي الرقمي العربي على شبكة الإنترنت وهو أحد ملفات تقرير هذا العام، بالنظر للأهمية المتزايدة للثقافة الرقمية في عصرنا الراهن. مرة أخرى أحييكم وأشدّ على أيديكم.. تجمعنا غاية نبيلة لإعلاء قيم الاجتهاد والمعرفة والاستنارة.. ننشد الحق والخير والعدل والجمال.. نسعى لتحقيق تضامن أمتنا ونهضة وطننا وتحقيق خير الإنسان في كل مكان.