رغم محاولة بعض الكُتاب التندر والاستظراف في قضية قاضي المدينةالمنورة «المسحور» إلا أن جهات التحقيق، كما قرأنا، أخذت موضوع سحر القاضي مأخذ الجد. واستعانت جهة التحقيق بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو حضور أعضاء من لجنة السحر في الهيئة جلسات الرقية الشرعية التي تُجرى مع القاضي لاستنطاق «الجني» الذي تلبسه، كما أكد الراقي الشرعي المعني لعدد من الصحف والمواقع الإخبارية، وهو امر ارى انه لا ينبغي أن يلقى اللوم فيه على الهيئة خاصة وأنها أكدت بوضوح، أن حضور جلسات الرقية الشرعية التي يخضع لها المسحورون بشكل عام ليس من اختصاصاتها، وأنها لم توفد أياً من أعضائها لحضور الرقية الشرعية التي عولج بها القاضي المتهم بالفساد، واعتبرت متابعة جلسات العلاج بالرقية الشرعية وتبعات تطور قضية الفساد التي يتهم بها قاضي المدينةالمنورة «أمر ليس من اختصاصنا، ويخص جهات أخرى ولم تدخل الهيئة في إجراءاته». وللعلم فإن جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استطاع فك رموز كثير من قضايا السحر والشعوذة على مدى السنوات الماضية، وهناك عشرات الأمثلة يحفل بها موقع الهيئة في هذا المضمار، فهي تأخذ عملها في هذا الشأن بكل الجدية والاحترافية. وإضافة إلى كل ذلك قامت الهيئة مشكورة في وقت سابق بتنظيم دورة في فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة الشرقية استمرت خمسة أيام عن طرق مكافحة السحر والشعوذة ، وتوعية المجتمع بخطر المشعوذين ومنع استخدام الأساليب المخالفة في الرقية. وهذه الدورة تأتي في إطار الخطة الإستراتيجية لمكافحة السحر والشعوذة والمشعوذين، وتحتوي على جانب نظري وآخر عملي وسيتم تعميمها على جميع فروع ومراكز الهيئات على مستوى المملكة، وذلك باعتبار إن السحر من أهم القضايا التي تباشرها الهيئة. ولم تكتف هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بذلك بل تتجه، كما جاء في جريدة «الشرق الأوسط»، لمحاربة السحر وأعمال الشعوذة، وتنظيم ممارسة الرقية الشرعية، عبر مشروع نظام، يقضي بمكافحة تلك التصرفات، المُنافية لضوابط الشريعة الإسلامية. وبحسب مصادر من داخل الهيئة، فإن عددا من مكاتب الاستشارات القانونية، تدرس مشروع إصدار لائحة، ومرشدات إجرائية، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، تُعطي رجال الضبط العاملين في الميدان، الحق في التعامل مع السحرة والمشعوذين، عقب تحديد الأعمال السحرية وأوصافها، ووسائل إثباتها وإدانتها، إضافة إلى التعامل مع من يعمل في تلك الأعمال المنافية ويروج لها. لذا أقول للزملاء الذين حولوا قضية القاضي المسحور إلى مهزلة يتناولونها بالسخرية والاستهزاء إننا أمام قضية كبرى يمكن لو تكشفت خلفياتها أن تساعد في درء كارثة عظمى تحيك بالبلاد والعباد. وإن كانت سخريتهم مفهومة «تمثل حالة الصدمة والذهول عند سماع خبر لا يمكن أن يصدقه العقل»، كما يقول الزميل حمود أبوطالب، فإنني أشاركه في الدعوة لمناقشة الأمر بقليل من الجد .. فليس من الجائز ولا المقبول منا توظيف أقلامنا في الاستهانة بالجهود الجبارة التي تقوم بها الجهات المختصة في محاولة سبر غور وفك عقدة القضية .. حتى لو استعانت بالجن الأزرق! فمع انتشار قضايا الفساد والرشوة والمحسوبية في البلاد، حيث لم تترك وزارة ولا هيئة حكومية ولا خاصة إلا وصلتها ، تُصبح كل الجهود لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة واجبا وطنيا يجب أن يكون له الأولوية عند الجميع. وهو ما يدعوني إلى اقتراح إنشاء لجنة مختصة في كل وزارة ومؤسسة وهيئة حكومية، على غرار «لجنة السحر والشعوذة» في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للتعامل مع الجن والعفاريت. وأقترح أن يُنشأ في كليات الأنظمة (الحقوق) في جامعاتنا قسم أو كلية متخصصة في التعامل مع «الجن والعفاريت»، بكل أشكالها وألوانها، يتعلم فيه الدارس كل الأساليب التي يستخدمها الجن في السيطرة على «الأبرياء» للإيقاع بهم في قضايا فساد ورشوة ومحسوبية دون علم منهم. وأقترح أن يكون الراقي الشرعي التي حملت الأخبار تمكنه من استنطاق وتدوين اعترافات «الجني» الذي تلبس قاضي المدينةالمنورة عميداً أو رئيساً لهذا القسم وأن تمنحه احدى جامعاتنا دكتوراة فخرية اعترافا له بهذا الإنجاز الضخم! وأخيرًا أقول لزملائي الكُتاب .. إلى متى تتعاملون مع القضايا الكبرى في مجتمعنا بهذا الاستخفاف والسخرية؟! فهاهي القضية التي انتقدتم الجهات القضائية لنفيها جملة وتفصيلا ومحاولة إخفائها عن العيون هي في مراحلها النهائية. فقد طلب رئيس محكمة المدينةالمنورة من الراقي الشرعي – وذلك على ذمة ما صرح به الراقي للصحف - إعداد خطاب للمحكمة يتضمن المعلومات التي أوردها «الجني» المتهم الذي تم ضبطه لدى استنطاقه، ومنها ما يخص الوسيط الهارب والمخالفات التي وقع فيها القاضي قبل إحالته للتحقيق في رمضان الماضي. لذا أناشد زملائي الكُتاب والصحفيين بأنه إذا عجزت عقولهم الضامرة عن فهم واستيعاب الدور المحوري، والجهود المُخلصة التي تقوم بها الجهات المختصة للتعامل مع قضايا هي أبعد عن استيعابكم وتفكيركم السقيم فاكفونا شركم وسخروا حبر أقلامكم لما فيه الفائدة للوطن والمواطن؟! [email protected]