لنتَّفق أنَّ كُلّ فَرد تُلاحقه تُهم مُحدَّدة، ومِن التُّهم الّتي تُلاحق «الحبر الأصفر» تُهمة «الانبهار بالغَرب»، ومَع ترداد هذه «المُفردة» على بَعض الألسن، والحروف والسُّطور، كَان لِزاماً عَلى الحبر أن ينثر لونه وينشر شكله، لأنّه أمسَى مِثل فَتى رَبطوه في رُكن، ثُمَّ انهَالوا عليه ضَربًا، وقَالوا له: (إيّاك إيّاك أن تصرخ).. وليس هذا مِن قبيل الدِّفاع عن النَّفس، بل مِن قبيل الدِّفاع عَن الفِكرة، وإيضَاح مَضمونها..! مِن هنا يَبدو القَلم مُدجَّجا بالشَّجاعة، مُناورا للجَماعة، قَائلاً لها: (هَاتوا بُرهانكم إنْ كُنتم صَادقين)..! إنَّ تُهمة الانبهار بالغَرب بالطَّريقة الّتي يُشير لها مُنتجوها، لا تَعدو أن تَكون فرية تَمتاز بالفجَاجة، وصفة لا تَخلو مِن السَّذاجة، بَل عَلى النَّقيض مِن ذَلك، تغري «القلم» بضحكٍ طَويل «أصفر»! ذلك لأنَّ الغَرب ليس بذلك المُجتمع الذي يُشجِّع على الانبهَار، كَما أنَّه ليس ذَلكم «المَقر» الذي يَأخذ بمَجاميع الإعجاب، وإن كَان هُناك إعجاب أشرنا إليه، فهو لا يَعدو أكثر مِن إعجاب بفَضيلة وَجب شُكرها، أو «عَادة» لَزم ذِكرها، تَمامًا مِثل تلك الأشياء الفَاخرة التي يَستوردها أهل الشَّرق مِن الغَرب، خُذ مثلاً، أعرابي «جلف» يعمد إلى شراء سيّارة أمريكيّة فَاخرة، ويُنفق لأجلها مِئات الدَّراهم ليَمتلكها زهواً وخيلاء.. ولا يَبخل عليها بالأماديح الطّوال والموشَّحات الحسان، فهَل هذا «الجلف» مُنبهر بالغَرب..؟! فكُلّ مَا يَقرأه القَارئ مِن مَديح لهذه «الفئة الغربيّة» ليس أكثر مِن نَقل لمُمارسات يُلاحظها أي عَابر للغَرب، حتَّى إن كَان هذا العَابر مِن الذين زَاغ بصرهم، وانطمست بصيرتهم، كما أنَّ الغَرب مِن جهةٍ ثَانية «مَليء بالمَآسي»، ومُستفيض بالخيبات، التي تَزداد يوماً تلو آخر، ولكن ذَلكم لا يَعني «الحبر الأصفر» مِن قَريب أو بَعيد..! إنَّ عقليّة إطلاق مِثل هَذه التُّهمة، لا تَعدو أن تكون عقليّة «حديّة»، بمعنى أنَّ مَن يَنقد العرب هو بالضَّرورة مُنبهر بالغَرب، وهذا قياس فَاسد الاعتبار، كما يَقول أهل «أصول الفقه»، لأنَّ نَقد العَرب لا يَعني أنَّ ما سواهم أصلح، وأملح وأفلح.. لا، الأمر ليس كَذلك، حيثُ إنَّنا نَنطلق مِن «حالة» إنذَار الأهل و»العشيرة»، وأمَّا غيرهم في «الغرب» فعندهم مَن يَقوم بهذه المُهمّة، فلسنا مَعنيّين بأن نُشير إلى مَواطن الخَلل عندهم، لنَنشرها هُنا بغية التّحذير مِنها، أو سوقها محجّة للتّدليل على «سقوطهم»، فإنَّ ذَلك لا يَدخل في بَاب اهتمامنا، وإنّما نَحنُ مُنصرفون إلى تلمّس الجوانب الإيجابيّة «هُناك»، لتَبيين كم نَحنُ مُقصِّرون، فيما كَان يَجب عَلينا أن نكون مُمتازين ومميّزين فيه..! حَسناً.. مَاذا بَقي..؟! بَقي القَول: مِن حُسن إسلام المَرء تَركه مَا لا يَعنيه، حتَّى لا يَكون مِثل الفَاضِي الذي مِن شدّة فَراغه تَقمَّص شخصيّة القَاضي..!. [email protected]