لا أحسب أن كثيرًا منا قد نسوا جرائم الصرب في البوسنة. وهي جرائم في عرف الإنسانية لم يحدث مثلها عبر التاريخ إلا ما ندر، فالمسلمون الذكور أخذوا وقتّلوا ثم دفنوا في مقابر جماعية دون أن يدري عنهم أحد. وأما الإناث فأخذوا واغتصبوا فرادى وجماعات. هذا التاريخ الأسود، وهذا السلوك الشائن، وهذا الحقد الدفين، وهذا العنف الشديد، لا يبدو أنه عارض مؤقت بل هو كامن في الجينات الصربية منذ القدم. وأما الشاهد، فما حدث قبيل مباراة كرة القدم التي جرت بين إيطاليا وصربيا الأسبوع الماضي (الأربعاء 13 أكتوبر) إذ اعتدت الجماهير الصربية على حارس المنتخب الصربي قبل وصوله الملعب بساعة، بضرب مبرح. والسبب هو هزيمة الفريق الصربي بين أرضه وجمهوره على يد منتخب أستونيا قبل أيام قليلة، ضمن تصفيات كأس الأمم الأوروبية المقبلة. وكاد المشهد أن يتكرر عند بداية المباراة... تصوروا جماهير تضرب لاعبيها بدلاً من تشجيعهم. المنظر المؤلم أدمى قلب المدير الفني للمنتخب الإيطالي الذي قال: (لم أشاهد مثل هذه الأحداث طوال حياتي...). وأما الحارس المعتدى عليه فقد بكى ألماً وقهراً وكمداً. الشاهد أن هؤلاء قوم لم يشهد التاريخ مثلهم قسوة وفظاظة، ولذا فالذي فعلوه في مسلمي البوسنة كان بالنسبة لهم سلوكاً طبيعياً جدا لمن خالفهم في الدين مقارنة بمن تسبب في هزيمتهم في مباراة. الحقيقة أن الذي ارتكب تلك المجازر والاعتداءات لم يكونوا فقط أفرادا ذوي رتب عسكرية عالية أو مناصب رفيعة. إنهم جميعاً مجرمون إلا النادر منهم. ولذا فالمطلوب محاكمة كل من شارك في قتل أو اغتصاب، ولا يجوز قبول تبرير الجناة بتلقيهم أوامر من سلطة أعلى، فلا شيء يبيح قتل المدنيين العزل، ولا شيء يجيز اغتصاب ذلك العدد الهائل من الفتيات المسلمات حتى في الحروب الفعلية بين الجيوش النظامية الرسمية. حادثة الجماهير الغاضبة حد الضرب والاعتداء على فريقها الوطني تؤكد بجلاء أن الشعب الصربي بأكمله مذنب في حق الأبرياء المسلمين في البوسنة، ولا بد من تعقب كل جانٍ منهم، فهذه جرائم لا تُنسى بالتقادم على أي حال. [email protected]