تَطفحُ الأسواقُ بالمجلَّات والإصدارات، لدرجة أنَّ القَارئ الجَاد يَجد مشقَّة في مُلاحقة المُنتج الجيّد وسط الكثير الرَّديء..! وقبل فترة أهداني أخي «محمود صبّاغ» العدد الثَّاني مِن مجلَّة «بكّة»، التي يَرأس تَحريرها.. وقبل الحديث عن المجلَّة، يجب أن أُشيد بهذا «المحمود» الذي يُبهرني كُلّ يَوم، فقد عرفته مُنذ سنين، وكُلّ ما قَابلته لمستُ فيه نبوغًا جديدًا، فهو وَثيق الصِّلة بعَالَم التّكنولوجيا ووَسائل الاتِّصال، وعَالِم في الأفلام والسّينما، وخَبير في الكُتب والقِراءات، وخاصَّة ما يَمتّ إلى الحجاز وتُراثه بصلة، لذلك دَعوني أُبشّركم ببَاحث ومُبدع ونَاقد جديد، يأتي مِن بعد المُبدعين اسمه «محمود»..! وحتَّى أُدلِّل على ما أقول، أطلب منكم أن تَقرؤوا مجلِّة «بكّة»، لتروا صِدق ما أقول في هذا الشَّاب الوَاعِد بعطاءٍ ضَخم، وأوّل ما يَلفت نظر القارئ في مجلِّة «بكّة»؛ هو هذا الاسم الذي يُوازي في دَلالته المَعرفيّة كلمة مكَّة، حين وَردت هذه المَدينة في القُرآن الكريم باسم «بكّة»..! لقد خَصَّصت المجلَّة عددها الثَّاني للرَّائد الكبير «حمزة شحاتة»، مُحتفلة بمئويّته التي تَحل هذا العام، وقد فَاجأتنا المجلَّة بدراسات وكِتَابات، تَتناول هذا الرَّائد، وأكثر ما أبهرني في تلك الكِتابات، ما سطَّره المُفكر الكبير «أدونيس» تحت عنوان: (تحيّة إلى حمزة شحاتة)، حيثُ يقول «أدونيس» في بداية مقاله: (يُسعدني أن أُشارك في الاحتفاء بالشَّاعر «حمزة شحاتة»، تلبية لرغبة الصَّديق «محمود صبّاغ»، وتَضامنًا معه ومع أصدقائه، لاهتمامهم بالشِّعر وإعطائه دَورًا عالميًّا في إضاءة الحياة وإغنائها، وفي الإفصاح الخلَّاق عن مُشكلات الإنسان، هَذا أولاً، وتُسعدني ثَانيًا هذه المُشاركة، تحيّة لشَاعر لم يُعطَ حقّه، ولم يُدرس كما يَنبغي، للكشف عن مَكانته، خصوصًا أنَّه يُمثِّل في وقته صَوتًا شعريًّا؛ لا يقل يَقظةً وانشغالاً بقَضايا الحياة العربيّة عن شُعراء جيله)..! ومِن الغريب العجيب أن يَضع المُفكِّر «أدونيس» هَامشًا في مقاله يَقول فيه: (الدّيوان في طبعته الرَّاهنة -الطَّبعة الثانية، النَّادي الأدبي الثَّقافي بجدة 2006- مَليء بالأخطاء مِن كُلِّ نوع، ولابد احترامًا للشَّاعر وللشّعر مِن إعادة نَشره بشَكلٍ صَحيح)..! يا للعجب والغَرابة، إذا كَان «أدونيس» يُوصينا بالبر بشَاعرنا «حمزة شحاتة»..! في هذه المجلَّة عرفنا أنَّ الأستاذ «حمزة شحاتة» كان يُنبّه المُطربين «طلال مداح» -رحمه الله- و«محمد عبده» -أطال الله عمره- عن هنّات ومُلاحظات حول أدائهما، وكيف يُمكن لهما تَجاوز هذه الهنّات، ليَكونا نجمين بازغين، وقد تَقبَّلا ذلك بالشُّكر والامتنان..! في هذه المجلَّة -أيضًا- عرفنا أنَّ الأستاذ «حمزة شحاتة» كَتب قصيدة: «ما لي أراها لا ترد سلامي» -على ذمة بكَّة- ل«طلال مداح»، وغنّاها طلال بصوته الشَّجي، مع أنَّ أكثر القوم -هنا- يَظنون أنَّها للمُطرب «محمد عبده»، الذي غنَّاها لاحقًا..! حَسنًا.. ماذا بقي..؟! بقي القول: إنَّه مِن الظُّلم والإجحاف للمجلَّة أن تُختصر في مَقال مساحته 4×6، كصورة مُراهق للتَّو بَدأ يَنشر في الصُّحف، لذلك استوصوا بالمجلَّة خَيرًا، واعتبروا هذا المَقال سَهمًا يُشير إلى المجلَّة، ولكن لا يُحيط بها.. أمَّا حوار المجلَّة مع معالي الأستاذ «فؤاد محمد عمر توفيق»؛ فهو جَريء وشُجاع، وسأتناوله بمَقالٍ مُستقل نَظرًا لجودة مَضامينه، وجَسارة أفكاره.. والله من وراء القصد..!.