هذا شطر بيت لأحمد شوقي من قصيدة طويلة في حفل مبايعته بإمارة الشعر عام 1927م حينما جاءت وفود من الدول العربية مبايعة له وعبر عنها حافظ إبراهيم بقوله: أمير القوافي، قد أتيت مبايعاً وهذي وفود الشرق قد بايعت معي ولم يكن بين تلك الوفود وفد من بلاد سوق عكاظ فقال شوقي: يا عكاظاً تألق الشعر فيه من فلسطينه إلى بغدانه افتقدنا الحجاز فيه، فلم نعثر على قُسِّه ولا سحبانه ظل وما زال عكاظ رمزاً لكل تجمع شعري، وظلت وستظل صورة عكاظ مرتبطة بالشعر مع ان سوق عكاظ الجاهلي كان سوقاً تجارياً لكن نسيت الاجيال التجارة وحملت ذاكرة التاريخ خيمة النابغة الذبياني، وتزخر كتب الادب وتاريخه باخبار وأشعار سوق عكاظ أكثر من أي شيء آخر وبخاصة بعد ان دمره الخوارج عام 129 ه وقد دمروا جزءا من الثقافة. وفي رحلة للملك فيصل خارج المملكة ذكره جمع مثقف بسوق عكاظ فعزم على احيائه، لكن الزمان لم يطاوعه حتى جاء ابنه الأمير خالد الفيصل فاحيا سوق عكاظ منذ اربع سنوات على أرض عكاظ وبذاكرة عكاظ التاريخية، وفي لقائه بضيوف سوق عكاظ هذا العام أشار إلى أن ما سيكون عليه سوق عكاظ في السنوات المقبلات صورة زاهية وليس ما عمل حتى الآن سوى بدايات لن تكون شيئاً مذكورا مع تطلعات سموه للمستقبل. الى جوار خيمة النابغة نصبت خيمة حجمها أضعاف خيمة النابغة والحاضرون فيها أضعاف من كانوا يلتفون حول النابغة، وبقي الشعر هو الذاكرة الحاضرة والذاكرة الماضية، وكثيراً ما ترنم من يتجولون في سوق عكاظ ببيت شوقي، ولذا لم يعد الحديث همسا عن قصيدة عكاظ لهذا العام، فكثير من الحاضرين رأى انها لا تمثل الذائقة العربية حتى من اولئك الذين يلهجون بشعر الحداثة، وفي جلسات المثقفين في الفندق حظيت هذه القصيدة بحوارات حولها، فالفاظها واضحة، ولكن المضمون ظل غامضا حتى عند الحداثيين الذين حينما سئل بعضهم عنها لم يزد عن قوله:انها تهويمات حداثيين، وبدلاً من ان يترنم المستمعون بالابيات صاروا يتساءلون عن المعاني الخافيات. وفي جادة عكاظ انست الآذان وهي تستمع لبعض المعلقات منشدة بصوت مسجل، فحضر الشعر غير ان النابغة غاب، ففي الشعر المسجل أخطاء في النطق، وعسى ان تضبط في السنين القادمات من مختصين ثم تُسمع قبل البث للسلامة من اخطاء، التقديم. وفي الفندق كانت جلسات ثقافية وأمسيات شعرية، ومناقشة لهموم وشجون فكانت جلسات عكاظية قل ان يوجد مثلها، وكانت ممتعة بشعرها ونثرها وبلقاء المثقفين الذين قد يكونون لم يلتقوا لوقت طويل، فكان لهم الثقافة وكان الحوار ثقافة. والجولات السياحية كانت مرتبة وممتعة، ومن أمتعها جولة على آثار عكاظ كان من حسن حظنا ان حظينا بمعلومات نفيسة من الزميل الدكتور خليل المعيقل المتخصص في آثار عكاظ، وبمعلومات مماثلة من الاستاذ عبدالله الشائع صاحب كتاب (عكاظ:الأثر المعروف سماعا المجهول مكانا) الذي قرأته فوجدت فيه جهد الباحث وجلد العالم، ووقفت معه على المواقع قرب جادة عكاظ فرأيت المكتوب عياناً. عكاظ حياة لإرث حضاري، وذاكرة للتاريخ، التقى فيه المثقفون كما كان الاجداد يلتقون فتحاورا وتناقشوا وسمعوا واسمعوا، وتبادلوا تحايا الود فكان عكاظ متألقاً وما وعد به سمو الأمير خالد سيكون اكثر تألقاً.