عندما يشكو قادة العراق من تدخّل دول الجوار العربي في شؤونه، فإن ذلك يدعو إلى الاستغراب والدهشة في آن واحد، فما نشهده الآن من تقاطر أولئك القادة على عواصم العالم العربي يتناقض كلّية مع تلك الشكوى. وما يدعو إلى مزيد من الدهشة والاستغراب أن تلك الزيارات ليست بهدف طلب النصح أو المشورة من الأشقاء، أو تعبيرًا عن رغبة أولئك القادة في دعم علاقات العراق بتلك الدول بقدر ما هي محاولة لكسب الدعم في مواجهة بعضهم البعض ، وذلك في إطار عملية التباديل والتوافيق التي بدأت عقب الانتخابات التشريعية التي أجريت في مارس الماضي ، والتي لا تزال عاجزة حتى الآن عن التوصل إلى تسمية مرشح توافقي لرئاسة الوزراء. ما يشهده العراق الآن من محاولة إعادة رسم خريطة التحالفات بين كتله الأربع الفائزة في انتخابات مارس الماضي يؤكد مرة أخرى أنه لا يزال واقعًا تحت وطأة الانقسام بين المصالح الشخصية لزعمائه وبين تغذية الطائفية التي تعتبر العدوّ الحقيقي للعراق، وأن هذا الانقسام إنما هو توطئة لتقسيم الشعب وتهديد وحدة العراق الوطنية ووحدة ترابه الوطني والعائق الأكبر أمام عودة العراق لممارسة دوره الطليعي على الصعيدين الإقليمي والدولي. في كل الأحوال، فإن جولات قادة العراق إلى دول الجوار العربي تعتبر الإثبات على أهمية تلك الدول ، وليس طلبًا لدعم جهة على حساب جهة أخرى ، وليس لأنها مطلب آنيّ مرهون بوصول هذا الطرف أو ذاك لسدّة الحكم ليعود بعدها إلى كيل الاتهامات لدول الجوار العربي ويغضّ الطرف عن التدخلات الحقيقية التي تقوم بها أطراف خارجية، وذلك بعد أن أكدت تلك الدول العربية على أنها تقف على بعد مسافة واحدة من كافة الفرقاء العراقيين، وأنها تترك خيار رئيس الوزراء العراقي للشعب العراقي وحده. كما تتطلب تلك الزيارات من قادة العراق أيضًا النظر على أنها تنطلق من منظور عروبي وأنها تخدم مصالح العراق وتلك الدول، وأن هدفها الأول والأخير توثيق أواصر الأخوة والتعاون مع الأشقاء حتى ترسو سفينة الحكومة العراقية الجديدة التي تمثّل كافة أطياف الشعب العراقي على برّ الأمان.