من ثمرات الجهد البشري تعدد وسائل الاتصال والتي أتاحت التواصل بين بني الإنسان في شتى بقاع الأرض حتى أصبح العالم كما قيل قرية صغيرة يسهل على أفرادها التواصل فيما بينهم ويعرف كل فرد منه أخبار الطرف الآخر بكل سهولة ويسر. ومن أبرز هذه الوسائل العصرية موقع «الفيس بوك» وهو موقع الكتروني أصبح معلماً في مواقع الانترنت يلج إلى بوابته ملايين البشر إذ أنه وسيلة عصرية وجد فيها الكثير ضالتهم للبوح بمكنوناتهم الداخلية دون حسيب أو رقيب، بل اتخذه البعض متنفساً ليُخرج ما يختلج في داخله من مشاعر مكبوتة، فبدأ بالبوح عما يكنه وعجز أن يستره في صدره فبثه عبر الفيس بوك، وكأنه ذاك الصديق الودود الذي ترتاح النفس للقياه وتسعد بالتحدث إليه دون تحرج أو خوف، ذلك الصديق الذي منح الثقة التامة من أناس يعانون من حب الظهور أو أناس يعانون الوحدة لم يجدوا -ظناً منهم- من يسمعهم في محيطهم، بينما لو بحثوا جيدا لوجدوا ضالتهم. وما هي إلا لحظات وتنكشف الغمة وتتجلى الحقائق فينقلب ذاك الصديق أو من ظُن أنه كذلك إلى ذئب مفترس وشخص انتهازي، استغلالي، مبتز، خائن، نتيجة لتلك الثقة التي منحت لغير أهلها في لحظة ضعف لم يستطع أصحابها السيطرة عليها ولحظة اندفاع لم يحسب حسابها وهنا تكمن المشكلة في أننا نستخدم ما منح لنا من نعم بشكل خاطئ. لقد أصبح هذا الموقع مدعاة لأن أسميه أو أطلق عليه (مكمن الخيانة لخاوي الديانة) وهذا الحكم لم يأتِ من فراغ بل من خلال أحداث كثيرة جمة حدثت عن طريق هذا الموقع. فكم من أعراض انتهكت وعورات انكشف سترها وكم من براءة اغتيلت، وكم من بيوت دمرت وكم، وكم.... فنحن العرب والمسلمين بالذات أمة عاطفية في معظمنا، من السهل جدا استدراج عواطفنا واستغلالها. لا ننكر أنه من الوسائل التي وفرت الكثير من الوقت واختصرت الكثير من المسافات وأن لكل شيء في هذه الحياة إيجابياته وسلبياته ولكن منطق العقل السوي يقول إذا طغت السلبيات على الإيجابيات لأمر ما فالأولى تركه. وبالمفهوم المادي التجاري البحت إذا طغت مسببات الخسارة على الربح فالأولى الانسحاب للحد من الخسائر. لذا لو كان لي من فعل شيء أو القدرة على اتخاذ قرار تجاه هذا الموقع لوجهت بحجبه لا سيما بعدما اتضح لي بما لا يدع مجالا للشك بأنه بؤرة إفساد لمجتمع كان منغلقاً على نفسه فتوفرت له وسيلة لم يحسن كثير من أفراده توظيفها لتحقيق أهداف سامية وإنما اتخذ وسيلة للتعارف والتواصل غير المشروع في مجتمع يفترض أن تحكمه عقيدة واضحة جلية قائدها ومعلمها ومربيها محمد صلى الله عليه وسلم والذي أسس دستورها وتركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك «تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي»، فهل استحضر كل منا هذا المنطق العذب بتدبر وتأمل وعمل به عن قناعة تامة دون أن نطلق أحكاما أساسها العاطفة وأهواء النفس. لست ضد التقنية بكافة أشكالها فأنا معها وأرى أنها من نعم الله التي ينبغي علينا شكره -عز وجل- أن رزقنا إياها.. ولكن متى؟ إذا استخدمناها في الاتجاه الصحيح الذي يتحقق به النفع لنا في الدنيا والآخرة. وأما ما أراه بصفة خاصة تجاه «الفيس بوك» بصفته الحالية وطريقة استخدامه من قبل الكثير بأسلوب سلبي في الغالب فإنه يعد نقمة لا نعمة. وتظل لكل منا وجهة نظره، فما أراه صحيحاً قد لا يراه غيري كذلك، والعكس بالعكس، لذا تظل لكل منا وجهة نظرة وقناعاته الشخصية وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح، متى ما استحضر كل منا في ذاته قوله تعالى: «مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» وقوله عز من قائل: «اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا* مَنِ اهْتَدَى فَإنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وَزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً». دخيل الله عتيق السلمي - جدة