رغم «خطة طوارئ» ترمب.. خام أمريكا يهبط 4.1 %    رحالة بريطانيون يعبرون محمية الملك سلمان على ظهور الإبل لمسافة 500 كيلومتر    نيو للفضاء توقع مذكرة تفاهم لتعزيز الابتكار الجيوفضائي بالمملكة    عبور 54 شاحنة إغاثية سعودية جديدة مقدمة للشعب السوري الشقيق منفذ جابر الأردني    إحباط تهريب 48 كيلوغراما من الحشيش المخدر و52 ألف قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    هل تفرج إسرائيل عن أقدم معتقل فلسطيني؟    الهند تحقق في مرض غامض أودى ب17 شخصاً    جامعة الإمام عبدالرحمن تتصدر المراكز الأولى في الدورة العاشرة لجامعات دول التعاون    "المنافذ الجمركية" تسجل أكثر من 950 حالة ضبط خلال أسبوع    ختام منافسات بطولة البلوت بواحات المذنب    الداخلية : ضبط (22555) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    بأمسياتٍ روائيةٍ وتجارب تفاعلية.. الإعلان عن «مهرجان الدرعية للرواية»    الخليج يخشى الأخدود .. الوحدة يواجه الاتفاق    تقلل خطر الإصابة لدى النساء.. ثورة واعدة لعلاج سرطان عنق الرحم    "المركزي الروسي" يخفض سعر صرف العملات الرئيسية مقابل الروبل    استمرار هطول أمطار على عدد من مناطق المملكة    ترمب يغيّر اسم خليج المكسيك    كائنات مخيفة تغزو جسد رجل !    اكتشاف قمتين أطول من إيفرست ب100 مرة !    مصر: التحقيق مع فرد أمن هدد فنانة مصرية    حورية فرغلي تستعد لتركيب «أنف اصطناعي»    التحكم في الكمبيوتر بإيماءات الوجه !    وصول الوفود المشاركة في مؤتمر آسيان الثالث "خير أمة" بمملكة تايلند    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    غوتيريش يدين احتجاز الحوثيين لسبعة من موظفي الأمم المتحدة    عمال يحصلون على 100 ضعف رواتبهم.. ماذا كنت ستفعل لو كنت مكانهم؟    الموسيقار العالمي هانز زيمر يبهر جمهور "موسم الرياض" في ليلة ابداعية..    محمد بن عبدالعزيز يشكر القيادة لتمديد خدمته نائباً لأمير جازان    «ميتا» تعتزم استثمار أكثر من 60 مليار دولار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي    الشباب يحصل على شهادة الكفاءة المالية    شامخات القصيد في معرض الكتاب بالقاهرة.    الربيعي تحصل على المركز الثاني في مسابقة بيبراس للمعلوماتيه    "الأهلي" يكشف أساطيره في "أسبوع الأساطير"    فريق برادي يتصدر التصفيات التأهيلية لبطولة القوارب الكهربائية السريعة "E1"    مدرب الأهلي "ماتياس": الجميع يعمل لتدعيم صفوف الفريق    بعد «سره الباتع».. فيلم جديد يجمع رانيا التومي مع خالد يوسف    محمد بن عبدالعزيز يشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمته نائبًا لأمير جازان    منح وزير الشؤون الإسلامية وشاح الطبقة الأولى للشخصية الإسلامية العالمية المؤثرة لعام 2024    مدير عام تعليم الطائف التعليم استثمار في المستقبل وتحقيق لرؤية 2030    الأمير محمد بن سلمان يُعزي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ فاضل الصباح    أمير حائل يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته أميرًا للمنطقة    جامعة الملك عبد العزيز تطلق مبادرة لتطوير مهارات الطلاب والطالبات في مجال الذكاء الاصطناعي الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط    الأولمبياد الخاص السعودي يختتم المسابقات الوطنية للقوة البدنية والسباحة بالرياض    الجبير يُشارك في جلسة حوارية في منتدى دافوس بعنوان «حماية البيئة لحفظ الأمن»    40 ألف ريال تكاليف ليلة الحناء    ترمب يلغي الحماية الأمنية عن فاوتشي: «ليحمي نفسه»    آل سمره يقدمون شكرهم لأمير نجران على تعازيه في والدهم    القصيبي مسيرة عطاء    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الإساءة إلى جيرانكم وأحسنوا لهم    أكثر من 20 ألف جولة رقابية تنفذها بلدية محافظة الأسياح لعام 2024م    خطيب المسجد الحرام: حسن الظن بالله عبادة عظيمة    %2 نموا بمؤشر التوظيف في المملكة    أعطته (كليتها) فتزوج صديقتها !    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة فيفا    الملك وولي العهد يعزيان رئيس منغوليا في وفاة رئيس منغوليا الأسبق    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين ك"منظمة إرهابية أجنبية"    السعودية تدين وتستنكر الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية على مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة    الإرجاف أفعى تستهدف بسمّها الأمن الوطني..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جاهليٌّ في مقام (سِيْدِيْ الناّبغة)
نشر في المدينة يوم 13 - 10 - 2010

قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا كان قد جاء مسلما طائعا مختارا.. ولماّ أعجبَ النبيّ (ص) بسمْتِهِ وزيِِّهِ ساءلهُ عن خمس من الخصال تخلَّقَ بها في جاهليَّتِهِ فأجابه: (الشكر عند الرخاء - الصبر عند البلاء - والرِّضى بمُرِّ القضاء - والصدق في مواطن اللقاء - وترك الشماتة بالأعداء)، فقال عليه السلام عنه ومن معه: (حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء) وزادهم على خصالهم من فضائل ما جاء به حتى بلغتْ عشرين.
كان هذا الجاهلي يتردد كل عامٍ على سوق عكاظ حاملا معه كل قيمه تلكم، ومستزيدا عليها ما وجده في هذا السوق من قيم العرب العظيمة التي يعج بها خطابةً وحِكمًا.. ولم ينقطع عنه -رغم انشغاله بالفتوح العربية وحمله قيم العروبة والدين إلى أرجاء المعمورة-.. غير أن العام 129 ه كان عاما آخر.
لمْ يكنْ جاهليُّنا يدركُ قبل الآن مدى عمق الإرهاب في أمَّته الخيِرة حتى ذكَّرهُ خراب سوق عكاظ على أيدٍ إرهابية من خوارج حروراء.. وقفَ حائرا أمام ما يراه اليوم من قدرة هؤلاء الإرهابيين على الامتداد وعصرنة أفكارهم باسم الدين! لقد لاموه اليوم عندما وقف على سوق عكاظ بعد أن بنَتْهُ يد البناء كعادة الَّذين خُلِقُوا ليبنوا.. أي: أن أيدي الإرهاب خلقتْ لتهدمَ في كل زمان ومكان، وأيدي الرواد خلقتْ لتبني.. وقف الجاهلي الذي بلغ عمره الآن ما يربو على ألفيْ عام على نُصبٍ أعلى إحدى تلال عكاظ متفرِّجًا على بانٍ يدْعَى (خالد الفيصل) وهو يعيدُ نَصْبَ خيمة النابغة الحمراء، ويجهِّزُ مكان ناقة قسّ بن ساعدة ومكان أكثم بن صيفي، وينظِّمُ طرفة والخنساء وعمرو بن كلثوم ويُعِدُّ أمكنة مشايخ ووجهاء العرب الذين تبدَّلتْ أسماؤهم فصاروا زعماء، وصار شعرهمْ مختلفا قد يثور على البحرين الطويل والبسيط.. لا يخفيكم جاهليّنا طويل العمر أنه أصيبَ بنشوةٍ ورِعشة من العزّة التي تنتمي إلى دعوى الجاهلية لولا ما مرَّ به من تهذيبها دينيا فصار يشعر بها لكن دينه يهذّبها.. كان يرى (عكاظ) -مغبونا- تقامُ وتنجح كثيرا في غير مكانها وعند غير أهلها، وحينما رآها استيقظتْ من سباتها بعد ألف وثلاثمائة سنة انتفض فرحا وطربا.. لقد عادتْ عكاظ، ورغم فرحه وطربه ونشوته فهو لم يستغربْ هذا، لأنه منذ سنوات كان ينتظر من قامة (خالد) هذا المشروع وغيره وبهذا المستوى.. لقد عرف هذا الشاب الجاهلي خالدا منذ عقود، وهو يعرف همم الرجال وعاشقي الأوطان وبصماتهم..
أولى مفاجآت هذا الجاهلي في جباله هناك: اتصالٌ حمل صوتا ألوفا أليفا عرف من لكنته أنه ممنْ يشكرون عند الرخاء، ولا يعرفون الشماتة بالأعداء.. إنه الدكتور: سعد مارق أمين عام السوق، آمرا هذا الجاهلي أن يستجيب لدعوة الداعي، فكان هذا.. وعند الإطلالة على عكاظ استقبلته أقمار العرب هناك وازدحمتْ عليه العروبة من كل جانب: الدكتور: جريدي المنصوري، الدكتور: عبدالرحمن الطلحي، الدكتور: عالي القرشي، الأديب الكبير عبدالرحمن المعمر، الجميل حماد السالمي رئيس النادي الأدبي.. هو كذلك لم يستغربْ عروبتهم بل زاده لقاؤهم طمأنينة على خصاله العشرين التي أقرّها له النبي (ص)..
هناك في عكاظ، بدأ المثقفون يتعاكظون معاكظة القرن الواحد والعشرين، ولحظ الجاهلي أحد العاكظين ومدى ولعه بلملمة أهل السوق لكنه كان كثيرا ما يبحث عن القضايا الشائكة حتى أَطلقَ عليه أحدهم لقب (فتنة..).. إنه المدعو: أحمد العرفج.. كان الجبلي يهربُ منه لأنه يحلِّقُ صحبه مع الأمير بدر بن سعود، وفي إحدى الجلسات كان حديثهم عن العلاقة بين السلطة والمثقف، فبهتَ جبليّنا لأنهم غرسوا فيه أن أكثر أصحاب الألقاب لا يحملون هذا النوع من الهم، وعندما استمع إلى الأمير وقرأ له قرر بعدها ألا يسمع ما يقوله أولئك، بل عليه أن يعلم الحقائق بنفسه دون وسيط.. وكان هذا المتعرفج يطارد المثقفين الذين يريدون التوحدَ الشللي في الزوايا ليجمعهم سويا في عكاظ..
وتنهال على صاحبنا أسماء شابّة توجزُ عمره الجاهلي وما حواه من عصورٍ مضتْ وعصور ستأتي ومنهم البَكّيّ العجيب: محمود صباغ -ومن قرر تجاوز الورق التقليدي الصّدِئ: محمد الساعد رئيس تحرير (مصدر)- والرائعان: خالد قماش ومحمد النجيمي الذي أكثرَ من لوم الجاهليّ المسكين على تمسكه بجاهليته التي أضاءها ورقق قِيَمها الإسلام.. وما أكثر الرائعين ممن استاقوا وساقوا في عكاظ..
حاول صاحبنا الصمتَ أمام الهنات في سوقه تأدّبا، غير أن رائد السوق والثقافة (خالد الفيصل) طلب من كل ذي رأيٍ رأيَه، وأصرّ الجميلان الفاعلان: سعد مارق وجريدي المنصوري، على سماع الآراء، فاتّكَلَ الجاهليّ على الله محتجًا بعنف العاشقين على بعض ما وجده.. فهو يشعر أنه من ورثة الشعراء، وأن (عكاظَ) تسمو عن اللحن سمو لسانه العربي المبين.. ضحكَ كثيرا حتى أضحك معه القائمين على السوق، فقد سمع في الجادّةِ إلقاءً مضحكا لبعض المعلّقات، ووصل به الضحك إلى حد أن الدكتور جريدي عرض عليه طلب إسعافه غير أن الله سلّم.. خصوصا أن حالة الضحك قد بدأت تلم به مذ ليلة الافتتاح عندما رأى الكتاب الرسمي يوزع ورأى عنوانه: (أسماء الفائزووووون..)، واستمرّت معه الحالة على جوانب الجادة بقراءته نقوش بعض أبيات المعلقات على الأنصاب بأخطاء إملائية وكتابية أخرى.. وعندما رأى اللوحات على بقية الأماكن كالتصوير والفنون..إلخ.. ولقد أشرف عاشق الفتن الثقافية (أحمد العرفج) على علاجه من الضحك وبرر هذه الأخطاء تبريرا جاهليا، إذْ قال: أنت لم تزل جاهليا، والمكان ينتمي إلى العصر الجاهلي الذي لم تكن الكتابة فيه سائدة، وبهذا استطاع إيجاد تبرير كيفما كان..
أما جائزة ولقب (شاعر عكاظ) فلم يسمعْ حبيبكم لها تفسيرا من أحد من أهل السوق حاضرهم وغائبهم.. لأنّ السؤال الّذي طُرِحَ ولا إجابة عنه هو: ما دام النص الفائز هو: مجموعة شعرية صدرتْ في الثمانينيات فلماذا لا يكون الفائز هو: أبو الطيب المتنبي أو حمزة شحاتة أو نزار أو أحمد شوقي أو البردّوني مثلا..
وعن معركة عكاظ مع المسرح فلا مجال لديه لنقده سلبا أو إيجابا ما دامت الخنساء مغيَّبةً عن الحياة، فليست القضية -هنا- في نص ولا سقف ولا أداء، بل تتركز في محاولة تنصيف الحياة التي لا تتنصَّف..
عادَ إلى قبيلته مترعا بعبق التاريخ في مهد العروبة والدين بعد أن اكتحل بمقام (سِيْدِي النابغة) ووقف على خيمته المعاصرة التي يعتقدُ أنها ستكون قلبا للثقافة العربية المعاصرة، وأنها ستستبدل القبيلة بالأممية ذات يوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.