من قدر له أن يقف على سوق عكاظ في نسخته الرابعة فلا بد أن يقف مشدوهًا مأخوذًا بعبقرية الإنسان الذي استطاع أن يعيد الحياة إلى السوق والسوق إلى الحياة، ولهذا فإن المنظمين لم يعدموا التوفيق عندما أسموه (عكاظ.. ملتقى الحياة)، فالحياة دون تواصل وانفتاح على الآخر هي نوع من الألم وضربٌ من الشقاء؛ فالإنسان بالإنسان يسمو ويرقى ويتبادل ويتحاور ويتناقش..وبحسب للسوق تصحيح المفاهيم الخاطئة. وجمع هذا العدد الضخم من أهل العلم والمعرفة والفكر والأدب والثقافة والإعلام..كان البرنامج حافلًا مميزًا رغم ما اعتراه من بعض ملاحظات تنظيمية وهي ملاحظات لا يمكن أن تخلو منها أي تظاهرة وبخاصة ما إذا كانت بمثل بهذا الحجم وهذه الكثافة. إن أهم ما في التنظيم هو تناميه من عام لآخر فبشهادة المتعايشين مع سوق عكاظ في بداياته فإن السوق قفز في نسخته الرابعة قفزات جلية ملموسة وحقق نجاحات رائعة عبر فعاليات متنوعة متكاملة.. إن من يدخل السوق لأول وهلة سيجد الحرف يجري على شفتيه انبهارًا: يا عكاظ الشعر واحك للألى إننا عدنا لنبقى أولا حلمنا شمس وشمس إرثنا إرثنا المخضر ليس الممحلا فكرة بيضاء زفت فجرنا والعريس الضوء.. حيوا الفيصلا!! إن من يدلف جادة عكاظ سيجد التاريخ والجغرافيا حاضرين، والأهم من ذلك.. ذلك الحضور الطاغي للإنسان ليشهد أن المكان والزمان هما نفسهما وأن الفيصل في كل ذلك هو الإنسان.. الإنسان الذي أمر بعمارة الأرض فانطلق عبر وعي جماعي مشترك يؤسس لديمومة التفاعل عبر أشكال متعددة من التلاقي الإنساني ومنها سوق عكاظ الذي أعطاه الأمير. الفيصل اهتمامه وعنايته؛ فحضر افتتاحه وحرص على دعوة ضيوف السوق إلى مجلسه العامر فتحاور معهم وناقشهم... وعلى الرغم مما للأمير خالد من مهابةٍ مستمدة من إمارته ومن إرثه المستحق للفيصل العظيم رحمه الله إلا أن اللقاء معه كان لقاء المثقف بالمثقف وصاحب الفكر بصاحب الفكر، كان اللقاء عفويًا رغم مهابته.. أخويًا رغم رسميته، حميميًا من نبل سجيته.. استمع وتحدث وحمل الضيوف أمانة إبداء الملاحظات “الأمر الذي يعبر عن ذهن متفتح وصدر يتسع لكل الآراء.. وتطلع صادق لمواصلة النمو والنماء، ومن هذا المنطلق فإنني لن أتحدث عن ثغرات تنظيمية أعي أن القائمين على السوق وضعوها تصب أعينهم وسيعملون على تلافيها كما تلافوا ما سبق من قبل، ولأن أي بناء تنظيمي إنما تدل الملاحظات على حياته؛ فلو لم ينطلق سوق عكاظ مجددًا لما وجدت ملاحظات أصلًا فالملاحظات لا تكون إلا لما يتسم بالحيوية والحياة.. وهكذا هو سوق عكاظ ملتقى الحياة. ولهذا فكم أتمنى لو تم التوسع في جوائز سوق عكاظ بحيث تخصص جائزة لأفضل دراسة تعنى بالتراث وتنقيحه ويمكن للقائمين على السوق تحديد محاور خاصة بذلك وطبع البحث الفائز في كتاب عكاظي. ولأن سوق عكاظ معني بالشعر والشعراء فحبذا لو وضعت جائزة لأفضل ديوان شعر مطبوع خلال العام السابق له و ذلك تحت مسمى “ديوان سوق عكاظ”كما أتمنى أن يتم طباعة ديوان شعر “شاعر شباب سوق عكاظ” كنوع من التكريم حتى ولو أدى ذلك إلى تقليص الجائزة المالية!! كما يمكن وضع جائزة لأفضل ديوان تراثي محقق. ولأن سوق عكاظ ملتقى حياة يكرم فيه المتميزون فيمكن لمسؤوليه العمل على تكريم البارزين في مجال التنمية الاجتماعية وكذلك الثقافية ولو على مستوى منطقة مكةالمكرمة ابتداء. كما يمكن تحديد شخصية عكاظية لكل سوق وليكن البدء بالقصيبي رحمه الله الذي كان أحد المدعوين لهذا السوق قبل وفاته. وعودة إلى الجادة فقد تميزت بعروضها الحية وصوتياتها المؤثرة التي تعمل ولا شك على تعزيز اللغة في أذهان الأبناء ومرتادي السوق.. وكم كان المشهد جميلًا وأنت ترى الأسر تتجمع على مدرجات مفتوحة في الهواء الطلق تستمتع بالقصص التاريخية عبر ممثلين على مسرح مفتوح.. الأمر الذي جعلني أتساءل لم لم تكن الندوات والأمسيات الشعرية أيضًا على مسرح مفتوح؟! حتى يتم استقطاب أكبر عدد من الحضور، وحتى لا يؤدي ذلك إلى عزلة المثقف بحجة نخبوية الأدب و الثقافة.. كان اختيار عناوين الندوات لافتًا وبخاصة ما يتصل منها بالسوق والشعر تحديدًا. وكانت تجارب الكتاب إضافة مميزة لعمل السوق الثقافي كما كانت تلك اللقاءات الثقافية والندوات الفكرية الجانبية التي تعقد داخل الفندق مميزة حافلة تألق فيها الصديق الأستاذ أحمد العرفج، وكانت ندوة الصحافة والاعلام المصغرة صاخبة مثيرة بحضور فهد الشريف وعلى الموسى ورؤساء تحرير سبق والوئام وثلة من الأصدقاء. كانت المسرحية رغم كل قبل عنها إضافة للسوق ويشكر مؤلفها رجاء العتيبي ومخرجها شادي عاشور على قدرتهما على إثارة الأسئلة حولها. فالسؤال بداية المعرفة. كان البرنامج المصاحب للضيوف جميلًا استعدنا فيه مع (البدر الكريم) ذكرياته مع الفيصل رحمه الله ابان ارساء مشروع طريق الهدا.. كان البدر متألقًا كعادته ولولا أنه شريك (مدينة اللثغة الأولى) لزدت!! إن من عايش ليالي وأيام سوق عكاظ لا بد وأن يجد الكلمات تنساب على شفتيه معبرة بصدق عن الشكر والتقدير لكوكبة تطوعت لخدمة وطنها ومجتمعها بدءًا من أمانة السوق وحتى الطلحي والنجيمي والقرشي و... و القائمة تطول وتطول، وقبل أن يسدل الستار على السوق لكأني بالنابغة الذبياني يهدم رواق خيمته ويحل وثاق ناقته مودعًا السوق.. ضاربًا موعدًا قادمًا وهو يقول محييًا ذلك العبقري باعث السوق مجددًا إلى الحياة وكل القائمين عليه: أبيت اللعن و الأنباء تترى وزهر من شفاه العزم بشرى يقلم يا عكاظ الشعر صعبًا فتحت الشوك للأزهار ذكرى نعاكظ في سماء الفكر عقلًا وآخر ثم عقلًا بل وأخرى لأنصب خيمتي في الصخر دوحًا تبرعم جوفها بالحب شعرًا فهيا أسرجوا.. فلنا لقاء ودوحة سوقنا كبرى فكبرى!!