شهد الأسبوع الماضي أحداثاً تخريبية كبرى جرت من خلال الفضاء الإلكتروني للإنترنت كانت غائبة لفترة عن الوعي العالمي العام لخفاء آلياتها وصعوبة تتبع مصدرها، أطلق خبراء الشبكة مسمى اصطلاحيا عليها هو: سلاح الفضاء الإلكتروني الكبير الأول ( first cyber superweapon ) كما يطلق عليه مسمى Stuxnet ، و«ستوكس نت» كناية عن فيروس أو دودة إلكترونية تم اكتشافها لأول مرة في شهر يونيو الماضي، الجديد هو أن «ستوكس نت» تستهدف أنظمة التحكم في المنشآت الصناعية والتقنية لا سيما تلك المصنعة من قبل شركة سيمينز الالمانية إضافة لسرقة المعلومات الهامة عن البرامج الصناعية الهامة كالبرنامج النووي الإيراني مثلاً وإرسالها لجهات محددة مما يخول «الهاكرز» من السيطرة على الأجهزة والمعدات الصناعية عن بعد، الأمر الذي يعني تعريض العديد من الأجهزة الصناعية للخلل الخطير كمثل تعطيل المضخات بمختلف أنواعها، والمحركات، وأجراس الإنذار، وأنظمة إطفاء الحريق، ويمكن أن يؤدي من الناحية النظرية على الأقل إلى انفجار الغلايات الضخمة في المصانع ومحطات تحلية المياة وإصابة خطوط الغاز والنفط بأضرار بليغة بل وتعطيل محطات توليد الكهرباء النووية التي يبدو أنها هي المستهدف الأول للفيروس. والأكيد أن هذا الفيروس الذي وجد في الأصل لمهاجمة مواقع تصنيع أسلحة الدمار الشامل سيتحول هو وأضرابه إلى سلاح دمار إلكتروني شامل. كانت الصين هي آخر ضحايا هذا الهجوم الإلكتروني الفتّاك حيث انتشر الفيروس في زمن قياسي في 100,000 منشأة صناعية بالصين و10 ملايين حاسب شخصي في تلك البلاد مترامية الأطراف في زمن قياسي جداً فأصاب كثيرا من مرافقها بالأضرار وبعضها بالشلل، ومما يزيد في خطورة هذا الحدث ويرتقي به لمرحلة الخطورة على الأمن والسلم العالمي هو خروج «ستوكس نت» عن السيطرة في الانتشار إذ أن المستهدف الأساس كانت المرافق النووية الإيرانية واعترفت إيران بإصابته محطة بوشهر النووية لتوليد الطاقة بالفيروس كما أكدت الحكومة الإيرانية أن ذلك سيؤخر تاريخ افتتاح المحطة على الأقل لمدة شهرين، ثم استطاع الفيروس أن يجد طريقة للمرافق الصناعية لدول أخرى هي الهند وباكستان وإندونيسا وانتهى به المطاف الأسبوع الماضي بمهاجمة مرافق الصين الصناعية وتكبيدها خسائر لم يعرف بعد مداها، مما يعني أنه وأمثاله في المستقبل من الأسلحة الإلكترونية الكبرى قد تصيب أي بلد في العالم فتشله لسنوات طويلة سواءً أكان مستهدفاً في الأصل أم لم يكن. قد تتكتم بعض الدول كإيران على مصابها من باب عدم الاعتراف بتشكل نقاط ضعف في منظوماتها الصناعية يمكن أن تكون أول ما يهاجمه أعداؤها أو ربما يكون ذلك من باب منع الشماته في مصابها الصناعي التقني، لكن يؤكد الخبراء بأن التخلص من الآثار التدميرية للسلاح الالكتروني الكبير يستغرق زمناً طويلاً قد يصل للسنوات المتتابعة، ويضربون على ذلك مثلاً باعتراف البنتاغون الأمريكي في أغسطس 2010 م بتمكن المهاجمين من إصابة أنظمة الحاسب المركزية فيه عام 2008 م وأن التخلص من تلك الإصابة استغرق 14 شهراً. قد لا يضمن عزل الشبكات الداخلية في المجمعات الصناعية عن شبكة الانترنت كإجراء وقائي في حماية تلك المجمعات من الإصابة بالفيروسات الكبرى، فصحيح أن الفيروسات والدودة بشكل خاص لها المقدرة على التنقل والاستنساخ الذاتي في عقد الشبكة الالكترونية ولكن ذلك ليس الطريقة الوحيدة التي تنتقل بها، فهي تستطيع كذلك الانتقال عن طريق قلم الذاكرة ( يو أس بي ) ويكفي أن يصل قلم ذاكرة مصاب بالفيروس ليد أحد الموظفين في المؤسسة الصناعية، ربما بدس من الأعداء ومن حيث لا يدري، وأن يشبكه الموظف في أحد حاسبات الشبكة الداخلية مهما قل شأنه لينتشر الفيروس في الشبكة ويبدأ في مهاجمة أجهزة وأنظمة التحكم الحساسة فيها، وهي الطريقة التي لجأت إليها ما يعرف بوحدة 8200 الإسرائيلية للحرب الإلكترونية طبقاً لرأي الخبير الالماني «رالف لانجر» في إيصال «ستوكس نت» إلى داخل محطة بوشهر الإيراني للطاقة النووية ربما عن طريق أحد العاملين الروس في المحطة. والأمر لا يقتصر على إسرائيل فالإدارة الأمريكية تصنف حرب الفضاء الإلكتروني ضمن أعلى قائمة قضايا الأمن القومي الأمريكي، والكونغرس الأمريكي وافق على تخصيص 17 مليار دولار للاستعداد لمجابهة الهجمات الإلكترونية، كما أن كلا من روسيا والصين لها مساع عسكرية محمومة لمجابهة الحرب الإلكترونية التي لم تعد في عالم اليوم مقصورة على أفراد من الفتية المراهقين المزعجين، بل تتبناها دول وتخصص لها الميزانيات وتستقطب لها أحد العقول وأذكاها، وواجبنا في كل البلاد العربية والإسلامية أن نستعد بالمثل للدفاع والهجوم الإلكتروني قبل أن نجد أنفسنا يوماً وجميع مرافقنا المدنية والعسكرية في شلل مطلق عند أول صدام ونحن لا حول لنا ولا قوة.