في جنوبالمدينةالمنورة وعلى بعد كيلومترات من العمائر الشاهقة والفلل الفارهة المتخمة بالخدمات، قرر العم رزيق العلوي ذو الخمسين ربيعا أن ينزوي بأحد الاركان بعيدا داخل سقيفة من الخشب وجذوع النخل وقطع من الزنك ليوفر لأمه المقعدة مأوى يحفظها من لهيب الصيف ويعكف على خدمتها بعيدا عن المتطفلين في مأوى يفتقد لأقل مقاومات الحياة، لا ماء ولا كهرباء ولا حتى لقمة عيش تساعده على القيام بخدمة أمه التي هجر الدنيا ومتاعها حتى ينعم برضاها. “المدينة” قامت بزيارة رزيق في سقيفته التي تلعب بها الرياح من كل جانب وتعصف بها سموم القيظ، رحب بنا واستقبلنا بحفاوة وابتسامة حاول من خلالها ان يخفي ملامح الهم والحزن وقسوة الايام، لكن ومع حديثنا معه أبت عيناه أن تخفي دموعه؛ أخذ يحدثنا عن حالته ووضعه المادي بكل ألم وحسرة يقول.. توفى والدي ولم يتجاوز عمري العامين، وظلت أمي تكافح وتعمل في تربية الماشية لكي توفر لنا لقمة العيش أنا وخمسة من إخوتي منهم: ثلاثة بنات. ودخلت المدرسة حتى حصلت على شهادة الابتدائية وتوفى أحد إخوتي بمرض فيما اصيب اخي الاكبر بشلل بعد فترة وبعدها هجرت المقاعد الدراسية لمساعدة امي على توفير لقمة العيش وبعد زواج اخوتي أصبحت الوحيد مع امي وبنيت هذه السقيفة وبجوارها خيمة، وما ان مرت سنوات حتى اصيبت امي بمرض في المعدة جعلها تهجر الطعام. وأضاف: قمت بمراجعة عدة مستشفيات لعلاجها لكن دون جدوى ولم تمض على مرضها سنتان حتى اصيبت بمرض آخر بقدميها اقعدها عن الحركة اجبرت بعدها على بيع ما نملك من ماشية لتوفير العلاج لأمي لكن دون جدوى، وها هي الآن لا زالت طريحة الفراش لا تقوى على الحركة، ولذلك أقوم بجميع شؤونها الخاصة ولا أملك من حطام الدنيا سوى تلك السقيفة لتحمي امي من لهيب الحر. وبسؤالنا له عن رفضه الزواج وعمره الان تجاوز الخمسين رد بعبارة كلها ألم وحسرة (وأمي التي عانت من أجلنا من سيقوم بخدمتها فإذا تزوجت سوف انشغل بزوجتي عنها فمن سيخدمها).. ثم أردف قائلا وبلهجته الحزينة (وأين العروسة التي سوف تتحملني انا وامي واين المال)؟. سكت قليلا ثم استأذن لكي يذهب ويطمئن على أمه بعد ان سمع انينها. طلبنا منه مرافقته إلى أمه فرحب بنا ووجدنا امه منكبة على وجهها تئن من شدة الحرارة. حاول كثيرا معنا ان يضيفنا ولو بفنجان شاي رافقناه إلى مطبخه المتوضع والخالي من كل شيء سوى بعض علب الشاي والسكر وموقد صغير لتجهيز الشاي. سألناه لماذا تقطن بهذا المكان البعيد عن الناس والخدمات؟ فأجاب: هذا ما املك. وانا هنا مرتاح في خدمة امي بعيدا عن انظار بعض الناس. وأثناء الحديث معه قاطعنا وطلب منا ان نسمح له ليذهب الى اعداد طعام الغداء لامه، الذي لا يتجاوز كوب شاي ومعه بعض قطع البسكويت. وودعناه والأمل يحدوه أن يحظى بايصال الكهرباء الى منزله لكي يقوم بشراء جهاز تكييف لأمه يقيها من حرارة الصيف.