الانتماء إلى العروبة أو ما يصطلح على تسميته ب (القومية) هو انتماء طبيعي وليس مجرد خيار أيديولوجي كما يحاول البعض أن يوحي للناس. القومية التي أؤمن بها تعني الانتماء وما يقتضيه من تمسك بالهوية. وهو تمسك لا يعني الجمود، وإنما يسعى بكل قوة لتلبية مطالب التجديد المستمر. القومية لا تعني العنصرية، فالفاشية شيء والقومية شيء آخر، والخلط الذي يحدث لدى البعض بين القومية والفاشية هو نتاج طبيعي للابتسار الذي أصبح يميز الطرح العام في السعودية وفي العالم العربي أجمع. القومية لا يمكن حصرها في التجربة الناصرية أو البعثية. هذا اختزال مخل. صحيح أن القومية يمكن أن تكون أيديولوجيا مغلقة كما هو الحال بالنسبة للنموذج البعثي، لكن القومية يمكن أن تكون فضاء واسعا يستوعب جميع أنواع الطروحات في ظل التزام واضح بقضايا الأمة، وفي ظل الاستجابة لما يتطلبه الانتماء من تمسك بالهوية الثقافية والحضارية. القومية مظلة تتسع لمختلف الأيديولوجيات والرؤى السياسية، فالقومي يمكن أن يكون إسلاميا ويمكن أن يكون اشتراكيا ويمكن أن يكون ليبراليا. والسياسي المخلص هو الذي يحاول أن يدافع عن المصالح القومية لبلاده وأمته مهما كان انتماؤه الأيديولوجي. غاندي نفسه كان قوميا لأنه قاوم الاستعمار وكافح من أجل الاستقلال وسعى إلى وحدة شبه القارة الهندية ولم ينقل النموذج الليبرالي الغربي كما هو، بل سعى إلى تطعيمه بالقيم الروحية الهندية العريقة فخلق بذلك نموذجا يستحق أن يحتذى بالنسبة لكل أمة طامحة في النهوض. القومية لا تتعارض كما يروج البعض مع الانتماء الوطني ولا الإنساني. الانتماء ليس دائرة مغلقة لا تتسع إلا للون واحد، الانتماء حلقات يكمل بعضها البعض، فلكي تكون إنسانيا يجب أن تكون قوميا في البداية، ولكي تكون وطنيا يجب أن تكون قبل ذلك قوميا. كل الآثار الأدبية التي انتشرت عالميا كانت مغرقة في الخصوصية المحلية، ولو لم يكن هناك تشبع بالروح المحلية لدى الأدباء العظام لما استطاعوا أن ينتشروا على الصعيد العالمي. الإغراق في المحلية هو أحسن وسيلة للتعبير عن الوجع الإنساني الذي يتشابه ويتقاطع مهما تباعدت المسافات واختلفت الثقافات. هذه هي القومية كما أراها وأؤمن بها. أنس زاهد [email protected]