المثقف الذي يحمل هم وطنه ومواطنيه، وتتعلق نفسه بالمثل العليا، والقيم الفضلى ويسعى جاهداً بقلمه ورأيه وعمله لترسيخ ذلك في محيطه الانساني، اصبح اليوم في العالم كله وجوده نادراً، وفي وطننا ونحن جزء من هذا العالم كأنه يفقد تدريجياً، واخشى ان نفيق يوماً على انعدام نموذجه الذي يحتذى، دعاني لقول هذا ما اتابعه اليوم من حراك مجتمع المثقفين في بلادنا، وانا اقلب النظر في لقاء لبعضهم مصور، وكثير منهم يزعم انه من الكبار المؤثرين، ويعلن في ما يكتب ويتحدث عن المثل والمبادئ الراقية ما لو صدقته لخدعت، ورأيتهم عبر الصور يتبادلون القبل والابتسامات، واعرف يقيناً ان كلا منهم يحمل للآخر في صدره ما لو انكشف لصاحبه لتبادلو النبل بالسهام، فأنت دوماً تسمع منهم عن بعضهم اكثر مما قال الامام مالك في الخمر، فضغينة أحدهم التي يحملها للآخر منهم، لو سلطت عليه لدمرته، فاقوالهم عن بعضهم مثأثورة، يفترقون عن بعضهم وكل منهم يمتلئ قلبه حقداً على صاحبه، فتعجب لهم كيف يلتقون مرة اخرى بالاحضان ويتبادلون القبل، بل وقد يبالغ بعضهم ويملأ سمع من حقد عليه ثناء عليه، وهو في داخله يغلي حقداً عليه، وهذا هو النفاق في ابشع صوره، حينما يظهر الانسان غير ما يبطن قصد ان يخدع الناس، وهو في الحقيقة انما يخدع نفسه، فمع مضي الزمن طال أم قصر يكتشف الناس خداعه فيحذروه، فيختفي من الساحة مرغماً، ويبقى ظهوره هلامياً عبر مقالة لا طعم لها ولا رائحة، لا يرتاد مجلساً، ولا تسمع عنه خبراً، ذلك ان الناس لم يعودوا راغبين في وجوده بينهم، ولذلك نماذج في محيط المثقفين لم تعد تخفى على أحد، ان ظاهرة تعدد الوجوه لدى بعض مثقفينا مما يضرب به المثل لفساد اجواء العلاقات الإنسانية بينهم، ولها الوان وانواع لا شك انها مرت بك أو تمر بك كل يوم، فهذا يثني على صراحة الآخر وجرأته على قول الحق، ولكنه أول من يبادر اذا غاب عن المجلس الى انتقاده وتسمية صراحته تهوراً، وتمسية جرأته في الحق وقاحة، وما ان يراه مرة ثانية حتى ينصرف اليه مبجلاً له مبتسماً يقبله بحرارة، ويضفي عليه من الالقاب الدالة بوضوح على التناقض الذي يمارسه، وهذا يثني على ما يقول الآخر منهم وهو يجالسه، فاذا به في الغد يكتب عبر صحيفة سيارة بنقيض ما وافقه عليه تماماً، فعنده لكل مجلس قول ورأي، وفي السر له رأي وله في العلن نقيض له، وهذا يسرف في المجالس بنقد كثير من أجهزة الدولة، وما ان تتاح له ا لفرصة ان يبدي رأياً فيها في العلن، إلا وانقلب النقد ثناءً عاطراً عليها وعلى انجازاتها، حتى انك لتدهش أهو ذات الشخص الذي سمعته يسرف في النقد؟ والذي قد لا يكون في محله، واذا تحدث ناصح الى من يبدي رأياً اليوم ثم يبدي نقيضه غداً، لا يبنيه على معلومات دقيقة، وليس له حجة وبرهان على ما يقول في الحالين، وواجهه الناصاح برأيه الصريح ليساعده على الرجوع الى الحق، وجدت بينهم من يصب في أذنيه ما يورث عداوة عنده لناصحه، وهذه كلها مسالك شر، نهى عنها الاسلام، فسيدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول:(إن شر الناس ذو الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه)، وعدّ العلماء فعله من الكبائر، وحذرنا سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -من فعله فقال(ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً) ومن لم يكن عند الله وجيهاً، فهوعند خلقه لا يكون كذلك وجيهاً، ونفاقه واضح، ويقول - عليه الصلاة والسلام:(من كان ذا وجهين في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من النار)، ويقول الامام القرطبي - رحمه الله -:(إنما كان ذا الوجهين شر الناس، لأن حاله حال المنافق، اذ هو متملق بالباطل وبالكذب، مدخل للفساد بين الناس) وقال الامام النووي- رحمه الله -(هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر انه منها ومخالف لضدها، وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع، وتحيل على الاطلاع على اسرار الطائفتين، وهي مداهنة محرمة)، والاصل سادتي ان الثقافة الحقيقية المتأنية من معارف متنوعة ترتقي بالانسان سلوكاً ومعاملة، والسقوط في وهدة هذا النوع من النفاق يضادها تماماً، وان تكتشف اليوم بين مثقفي بلادنا من هو موغل في هذا السلوك الرديء، متلون متعدد الوجوه، فهو لن يخفى على الناس بفعله القبيح هذا، وسيكتشفونه لا محالة، ويلقى الجزاء الرادع اهمالاً، فلن يجد من يصغي اليه، وسيفر عنه المجالسون له، فرارهم من المرض المعدي السريع الانتشار، فقد رأينا هذا فعلاً، وكم من منافق مضى ولم يجد من يحيي له ذكرى، فهل يدرك هؤلاء الذين سقطوا في وهدة النفاق ويعودون لرشدهم، هو ما نرجوه لهم والله ولي التوفيق، ص ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043 [email protected]