استلم معالي المهندس عادل محمد فقيه وزارة العمل بعد عددٍ من الوزراء، كان آخرهم معالي الدكتور غازي القصيبي -رحمة الله عليه- ولم تزل نظرة الناس إلى الوزارة كما هي منذ سنوات طويلة، لأنهم لم يلمسوا التطور المطلوب في وزارة حيوية ذات علاقات واسعة مع المجتمع بجميع فئاته، من عاملين، ورجال أعمال، وغيرهم من الشرائح الاجتماعية، ولا شك أن هناك أسبابًا كانت وراء عدم رضا المجتمع عن وزارة العمل، معظمها لا علاقة لها بالمسؤول الأول فيها. وباعتباري أحد أبناء هذه الوزارة، فقد سنح لي عملي فيها لعدة سنوات الاطّلاع على بعض الأمور الإدارية، التي أرى أنها كانت وراء عدم تطور هذه الوزارة ومكاتبها الرئيسة والفرعية، وأعتقد أن أي وزير عمل يحتاج إلى معالجة هذا الخلل الهام، الذي كان بفعل فاعل! قام بما قام به، وانصرف غير راشد، ولكن ما صنعه واتّخذه من قرارات وإجراءات لم تزل الوزارة تعاني منها، حتى هذه اللحظة، ولا سبيل إلى أي تطوير قادم إلاّ بما يلي: أولاً: تمكّنت الإدارة العامة للشؤون المالية والإدارية في فترة من الفترات في هذه الوزارة من استغلال خلافات في الرأي ما بين مسؤول ومسؤول في الوزارة، فقامت بإجراءات عززت من خلالها سطوتها وتصرفاتها في مقدرات الوزارة، وأصبح المسؤول عن هذه الإدارة العامة يتصرّف في هذه الوزارة كأنه الرجل الأول فيها، فراح يستغل ما حصل عليه من صلاحيات واسعة في تقريب مَن يشاء، وإبعاد مَن يشاء دون النظر لمصلحة العمل، أو المصلحة الوطنية، فاحتل في زمنه عدد من غير الأكفاء مناصب قيادية في الوزارة نفسها!! وفي الفروع الرئيسة، والفروع الأخرى، وعدم الكفاءة جعلت هؤلاء المعنيين غير قادرين على خدمة الوزارة وفروعها في أي شيء! لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وإنما اكتفوا باحتلال وظائف قيادية، كان يمكن أن يحتلها، أو يجلب إليها مَن يوجه ويفيد ويقود ويزرع الخبرات الإدارية والإبداعية في عموم الموظفين، الذين يكونون في الوظائف التنفيذية الأقل، ولكن النفس البشرية الأمّارة بالسوء عندما تسيطر عليها الأهواء، فإنه يمكنها أن تؤثر سلبًا في جميع الأمور دون مبالاة بالنتائج حتى ينطبق عليها قول الشاعر: إذا لم تخشَ عاقبة الليالي ولم تستح فاصنع ما تشاء ثانيًا: وللتأكيد على ما ذكر آنفًا، فإن بإمكان معالي الوزير الفقيه، أن يقوم بجولة على بعض المكاتب التي تُسمّى مكاتب رئيسة، ويقابل، أو يسأل بعض القائمين على شؤونها عن حال العاملين، وهل يستطيع أن يختار منهم لكفاءتهم رؤساء أقسام، ومساعدين يعتمد عليهم، أو يتأكد من العاملين ومستواهم، ومستوى المسؤول عنهم، وهل لديهم القدرة على التطوير والعطاء والابتكار والإبداع؟ وهل تؤهلهم مستوياتهم التعليمية للقيام بهذه الأدوار؟ فإن كانت نتيجة الجولة سلبية، وهي على مكاتب رئيسة فعليه أن يتصوّر أحوال المكاتب الفرعية، ومَن فيها من مديرين وموظفين.. فقد يجد موظفًا قياديًّا في المرتبة التاسعة والعاشرة لا يحسن كتابة سطرين من خطاب بطريقة جيدة، ناهيك عن كونه قادرًا على تطوير العمل وتقديم أفكار إبداعية، وقس على ذلك بقية المكاتب الفرعية التي في محافظات صغيرة، وبعض القرى، فإن كان ذلك هو أحوال مكاتب الوزارة، وهي أجنحتها وأذرعتها التي تنفذ أنظمتها، فكيف يتوقع أي مسؤول جديد أن تحمل هذه النوعية من الموظفين الوزارة على أجنحتها نحو المستقبل، وهي أصلاً أجنحة بلا ريش. ثالثًا: ظلت الشؤون المالية والإدارية بالوزارة تدير أعمال مكاتب العمل بالأهواء الشخصية، فإذا غضبوا على موظف حتى لو كان يداوم من الساعة السابعة حتى الثالثة، ويكون نزيهًا، وعطاؤه جيدًا، ولكنه اختلف مع قريب لهم، فله الويل والثبور وعظائم الأمور، دون الالتفات إلى عطائه وإخلاصه ونظاميته في العمل، أمّا إن كان هناك موظف محل الرضا فإنه ينال كل الامتيازات والعطاءات والترقيات، حتى لو كان لا يفرق بين الألف وكوز الذرة، وخطّه غير مقروء، وأخلاقه رديئة؛ لأن عين الرضا عن كل عيب «كليلة»، فمتى تنجح إدارة تحارب المجتهد، وتقرّب البليد..؟! وأقول لمعالي الوزير الجديد أعانه الله، إن وزارة العمل تحتاج أولاً إلى ترتيب بيتها من الداخل، وإعادة النظر في جميع القيادات الأساسية فيها، انطلاقًا من المكاتب الرئيسة وحتى الفرعية لتطبيق الخطط نفسها، وبعد ذلك يمكن أن ننتظر خيرًا من هذه الوزارة.. وإلاّ فلا..! [email protected]