حل عبدالسميع حارس العمائر ضيفًا موقوفًا في شرطة مكة، في رمضان لأنه «تهاوش» مع وكيلنا، لكن أحمد الله أنه لم يطب له المقام إلا ليلة واحدة. صورة عبدالسميع -بالأبيض والأسود- الذي كان يحمل على كتفه الدكتورة ابنتي أحلام يوم كانت طفلة، وقد حملها بجوار القلب تعلو رأسه عمامته الصعيدية، واستعدت صورته من ميناء ينبع عند عودته من «إسنا» مدينته بمحافظة الأقصر بمصر. جعلني اهتم بإنهاء إجراءاته بنفسي. كانت خطى المارة في شوارع مكة تصفع الدروب، فاستعدت ذاكرتي كيف كانت مكة في رمضان في مثل هذه الأيام؟ كيف كان يلتف حول عم سعيد الخضري أهالي مكة، وتتعالى أصواتهم: «يا عم سعيد .. كيس سوبيا أحمر، وكيس سوبيا أبيض». في «المدعي العام بمكة»، منعوني من الصعود أو الهبوط في الدائرة لاني أنثى. منعت من إنهاء إجراءات عبدالسميع الحارس لاني أنثى، طلب مني محرم رجل يعرفني ويرافقني لاني أنثي. حاولت معهم أن يعترفوا ببطاقة أحوالي المدنية التي أسحب بها أموالي، وأشتري بها عقاري ..إجابتهم إنك أنثى. فكّرت في صورتي مع خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- التي احملها في جوالي عندما التقيت به عدة مرات في الرياضوجدة، فكّرت في صورتي وأنا أمثّل بلادي في المناسبات المحلية والدولية، التي زاوجت بين دور المثقفة، ودور المسؤولية الوطنية. لكن ما فاتني أنني لم أتعرّف على المعابر الأنثوية في بلادي، وكأني ادّخرت تلك الصور للزمن فخدرت أحزانى. ثلاث ساعات وأنا أحاورهم وأقنعهم، ولكنهم رفضوا، ثلاث ساعات لم أر خلالها سوى وجوه من البشر في أرجلهم سلاسل من حديد، فأتوقف عند وجوههم واحدًا بعد الآخر، وأسأل نفسي هل من المتهاوشين والمتخاصمين كفيلته امرأة؟ وهل لدينا محققات بارعات للمهوشات النسائية؟ وبعد: طلبت الاستعانة من أحد الأقارب، وجاء مثل البارق لتعريفي وكفالة الحارس. واندلق عبدالسميع خارجًا من قسم الشرطة، تصفعه رائحة الخوف، وسوداوية المعاطف، يرتدي سواده، ومضيت أبحث عمّن يشاركني التمرد على الأحزان. واستعدت سخريتي قائلة: «مسكينة يا أحلام يا ابنتي، ذنبك أنك أنثى».